الرأي

قراءة في بيان القــــمـة «33»

قراءة في بيان القــــمـة «33»

اختتمت قمة مجلس التعاون لأقطار الخليج العربي الثالثة والثلاثين أعمالها التي انعقدت في يومي الإثنين والثلاثاء (24 و 25) ديسمبر في قصر الصافرية بمملكة البحرين، وأصدرت القمة بياناً أكدت فيه ما انعقدت القمة من أجله، والذي جاء انعقادها في ظروف استثنائية تمرُ بها المنطقة الخليجية والعربية والإقليمية. وتجسدت القرارات الصادرة عن القمة في رغبة خليجية وعربية بتطوير آليات التعاون وتأطيرها بالتحول إلى الاتحاد لبنة بعد أخرى، وعن إصرار أقطار القمة على الوقوف صفاً واحداً ضد أي اعتداء أجنبي، واستمرار التعاون في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتي تحقق منها الكثير منذ أن بدأت مسيرة التعاون الخليجي في عام 1981م.
ومن القرارات التي أصدرتها القمة الخليجية (33) هو الرغبة في الحفاظ على أمن المنطقة بعيداً عن الهيمنة والتدخلات الأجنبية، وفي هذا الشأن فإن اعتبار الاعتداء على قطر من أقطاره يعني اعتداءً على جميع الأقطار الخليجية، ويدل ذلك على وحدة المصير المشترك التي تجمع بينها، وأنها جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعت إليه أعضاؤه الأخرى، ومن باب روح الأخوة الإسلامية والإنسانية فإن القمة وجهت رسالة صادقة إلى الدولة الإيرانية تدعوها إلى عدم التدخل في شؤون الأقطار الخليجية العربية. وجاء إقرار الاتفاقية الأمنية والدفاع المشترك بين الأقطار الخليجية وتشكيل قيادة عسكرية موحدة من أجل الحفاظ على أمن هذه الدول وصد أي اعتداء خارجي. ورغبة في تطوير الأداء الاقتصادي التعاوني بين أقطار المجلس يأتي تنفيذ مجموعة من السياسات الاقتصادية التي تعمل على استنهاض الاقتصاد الخليجي والعمل على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بشأن السياسات المالية والنقدية وتعزيز القدرات الإنتاجية في مختلف القطاعات الاقتصادية بما يؤدي إلى توفير مساحة كبيرة من الوظائف للمواطنين الخليجيين في مختلف مواقع العمل الإنتاجية منها والخدمية، وصولاً إلى تحقيق الاندماج الكامل للمكونات الاقتصادية الخليجية بينها تحقيقاً للهدف المنشود الذي تسعى إليه ألا وهو الاتحاد الخليجي.
إضافة إلى الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية أصدرت القمة مجموعة من القرارات الأخرى التي تتعلق بتنمية الشباب من خلال استثمار طاقاتهم وتنمية مواهبهم من خلال تنفيذ مجموعة من البرامج التي تصقل هذه المواهب، وذلك لكون الشباب الخليجي هو المعتمد عليه في كل ما يتم تنفيذه من خطط سياسية واقتصادية واجتماعية وهو الحصن المنيع الذي سيحمي أقطاره من أي اعتداء خارجي، فشباب اليوم هم قادة المستقبل وسيوف أقطارها في ساحات الوغى. وقد وقف المجتمعون في هذه القمة وقفة واحدة ضد ما يُمارس من عنف، وأن الرغبة في تحقيق الاستقرار السياسي والنهوض الاقتصادي والرخاء الاجتماعي لا يتوافق مع ممارسة العنف، ولا يمكن أن تكون هناك ممارسة ديمقراطية حقيقية بوجود العنف. ومن واجب القيادات في المؤسسات الشبابية في أقطار مجلس التعاون أن تعمل على تنفيذ برامج وطنية تعمل على حماية الشباب من هذا العنف وتغذيته بدروس المواطنة والولاء لوطنه وبالتسامح واحترام الرأي والرأي الآخر، ليخرج لنا شباب مؤمن بوطنه ومدافع عن هويته وسيادته الوطنية، مدرك لدوره ومسؤوليته الوطنية.
وهناك الكثير من القرارات الأخرى التي تتعلق بالصحة والفساد وبعلاقة أقطار مجلس التعاون مع الأقطار العربية ومواقفها السياسية من بعض الأحداث العربية الجارية، كالشأن السوري واليمني والعراقي ومع باقي الدول الأجنبية الأخرى، وأنه ما كان يؤمل من هذه القمة الخليجية تحقيق تطلعات أخرى لأبناء أقطار مجلس التعاون، من خلال تحسين المستوى المعيشي والاهتمام بالمواطنة الحقيقية لهذه الأقطار، والحفاظ على هويتها العربية وسيادتها الوطنية، وأن هذه الأمنيات وغيرها لن تتحقق وهذه الأقطار منفردة، وإنما ستتحقق باتحادها، فإن اتحادها سيعمل على تقوية أسسها الاقتصادية ويوحد طريقها السياسي، خاصة أن اتحادها لن يُصغر من حجم قياداتها القطرية بل إنه سيعمل على تقويتها وتحصينها بصورة أكثر. فلو اجتمعت الموارد الاقتصادية لأقطار مجلس التعاون من بشرية ومادية ووضعت في إناء اقتصادي واحد لعم الكثير من الخير على أبنائها ولعاشوا في نعيم، ولأصبحت من أكثر بقاع العالم غنى وخيراً.