الرأي

القائمة السوداء أو فصــــام التسامــــح!

القائمة السوداء أو فصــــام التسامــــح!

الديمقراطيون الجدد (الطارئون على الديمقراطية والحرية والعدالة والنضال من أجلها) يجيدون عملية تصنيف المجتمع وفقاً لمنطق الديمقراطية الجديدة: أصلي وغير أصلي، مؤمنون، وغير مؤمنين، مواطنون ومجنسون، موالون ومعارضون، شرفاء وخونة، وطنيون وبلطجية، مناضلون وأزلام، ثوار وفلول.. الخ قائمة المتقابلات التي يمكن وضعها في شكل قائمة مجدولة، يكون المطلوب الإبقاء على العناصر الواردة في الخانة (أ) والقضاء قضاء مبرماً على العناصر الواردة في الخانة (ب).. هكذا باتت الأمور أخيراً على هذا النحو الحاد الذي يمهد في الحالة إلى جميع أنواع القتال والحروب الأهلية، ويصبح الشعار المركزي على النحو التالي؛ نحن أو أنتم، والهدف القضاء المبرم على من يخالفك الرأي. أو معادلة الرئيس بوش الابن «من ليس معنا فهو ضدنا»!
هذه الثقافة الإقصائية الجوفاء تعكس حالة عامة من الحدية والانقسام داخل المجتمع يرافقها في الغالب حالة من الفصام بين القول والفعل والموقف، فالجميع يتحدث عن التسامح وقبول الرأي المخالف، لكن الجميع تقريباً يطلق النار على من يختلف معه في الفكر والموقف، حيث إن التسامح الحقيقي يكتسب أهمية خصوصاً إذا كان للناس ذوي القناعات الدينية والأيديولوجية والسياسية المختلفة أن يعيشوا معاً في مجتمع ديمقراطي تعددي. وإذا كان التطور يعني، فيما يعنيه، الانتقال من البسيط إلى المركب ومن الأحادي إلى التعددي، وإذا كان العصر المتقدم قد شهد بروز مجتمعات متعددة الثقافات فإننا للأسف نشهد في أقاليمنا العربية عودة مرعبة إلى الطائفية والتعصب وانتشار ثقافة الإقصاء والقوائم السوداء، بما يجعل فضيلة التسامح ضرورية إلى أقصى الحدود.
والسؤال الآن هو؛ هل هناك حدود للتسامح؟ أينبغي التسامح حتى مع الجماعات والأحزاب غير متسامحة؟
في جوابه على مثل هذا السؤال يتساءل جون رولز في كتابه نظرية العدالة عن مسألة القدرة على التسامح مع غير المتسامحين هل ينبغي للجماعات غير المتسامحة أن تتذمر عندما لا يجري التسامح معها وهي التي تمارس التعصب والإقصاء وتنشر قوائم العار والقوائم السود والرمادية؟ وهل للجماعات أو الحكومات المتسامحة الحق في ألا تتسامح مع غير المتسامحين؟ إن السؤال الأول من الممكن الإجابة عنه بالرجوع إلى القاعدة الذهبية «عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به»، وليس للجماعات غير المتسامحة الحق في أن تتذمر عندما لا يجري التسامح معها. بالمقابل على الدولة أن تعامل غير المتسامحين بطريقة متسامحة، لأنه من الأفضل التسامح مع غير المتسامحين. وعلى المواطنين أن يناضلوا من أجل احترام الدستور والقانون في جميع الأحوال والحالات حتى لا تتعرض الحرية للخطر حتى تكون هناك فرصة لتربية الناس غير المتسامحين على التسامح.
وكما يقول محي الدين بن عربي في تأملاته:
لقـد كنت قـبـل الـيوم أنكر صاحبـي
إذا لم يـكـن ديـني إلى ديـنـه دان
وقـد صـار قلبي قـابـلاً كـل صورة
فـمـرعـى لغـزلان وديـر لرهـبان
همسة..
من يقرأ التاريخ لن يدخل اليأس إلى قلبه أبداً.
سوف يرى الدنيا أياماً يداولها الله بين الناس
الأغنياء يصبحون فقراء والفقراء ينقلبون أغنياء
وضعفاء الأمس أقوياء اليوم.