الرأي

الاتحــــاد الخليجـــي في مشرحـــــة «التجمــــــع»

نــــوافـــذ

إن جاز لنا أن نختار عبارة تصف أوراق ومداولات مؤتمر «الاتحاد الخليجي مطلب شعبي» الذي دعا له «تجمع الوحدة الوطنية» من 30 نوفمبر إلى 2 ديسمبر 2012، لمناقشة مسيرة مجلس التعاون الخليجي، فليس هناك أفضل من «المشرحة»، حيث وضع المشاركون مسيرة مجلس التعاون عارية من أي غطاء، وراحوا يفحصونها بل ويتفحصونها، باحثين بعين الطبيب المتمرس ما يعاني منه الجسد الخليجي من أمراض، وما يهدده من أخطار، فتوزعت التشخيصات على الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
تفاوتت النقاشات بين تلك السياسية الهادئة، كما جاء في ورقة رئيس التجمع عبداللطيف المحمود الذي أبرز 4 عوامل تدفع المواطن الخليجي نحو المطالبة بالانتقال من حالة التنسيق، إلى مستوى الاتحاد: الأول منها هو ذلك «الارتباط العضوي والروحي والاجتماعي والديني واللغوي والتاريخي الذي يجمع بين أبناء هذه الدول، أما ثانيها فهو أن دول العالم اليوم متجهة إلى تحقيق كثير من أنواع الاتحادات والتكتلات؛ الدفاعية والاقتصادية والسياسية والأمنية والعلمية والتجارية والصناعية والزراعية، وينبع الثالث من تجربتين مريرتين، دولة الكويت عندما احتلها العراق في 2 أغسطس سنة 1990 ومملكة البحرين من فبراير عام 2011 والتي مازالت أذيالها باقية، أما الرابع فهو تجربتي توحيد معظم شبه الجزيرة العربية بقيادة الملك عبدالعزيز آل سعود بإقامة المملكة العربية السعودية خلال القرن الماضي وقيام دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1970»، وتلك التي حاولت الاستناد إلى الخلفيات التاريخية كما ورد في كلمة الأستاذ محمد جابر الأنصاري، الذي قدم عرضاً علمياً تاريخياً مكثفاً، عاد بعده كي يؤكد على أن «الاتحاد بين دول مجلس التعاون غدا مسألة وجود وبقاء أن نكون أو لا نكون، منوهاً إلى أن مجلس التعاون قد حقق عدداً من المنجزات لشعوبه وعدم الإسهام في ذكرها مرده إلى أننا نطمح إلى المزيد».
وليس في وسع أحد أن يتجاوز ورقة الأكاديمي علي الكواري، الذي أنهاها بغصة تحشرج فيها صوته وعجز فيها عن الكلام، عندما رغب في مناشدة أهل البحرين بالكف عن الاستمرار عما أوصلوا بلدهم إليه. ذكرني هذا الموقف بحديث عنترة بن شداد عن جواده حين وصفه في أحد بيوت معلقته، عندما حمى وطيس القتال، قائلاً «ازور من وقع القنا بلبانه‌ وشکا الي بعبرة وتحمحم‌.... لو كان يدري ما المحاورة اشتکي‌ ولكان لو علم الكلام مكلمي». بعيداً عن ذلك الموقف العاطفي المؤثر، غلب على مداخلة الكواري الجانب الاقتصادي، وأبرز ما كان فيها ذلك التحذير من التدمير الاجتماعي الذي تمارسه خطط الإعمار الخاطئة التي تسود منطقة الخليج في شكل مدن يحظى قاطنوها ممن اشتروا منازل لهم فيها بحق السكن والإقامة غير المحدودة، وهي سياسة غير مسبوقة في تاريخ العالم، بما فيها تلك المجتمعات المفتوحة للهجرة الخارجية.
من بين الإشارات التي ينبغي التوقف عندها في ذلك اللقاء ما ورد في مداخلة عضو مجلس الشعب ورئيس مركز الأهرام للدراسات محمد سعيد إدريس، الذي بعد أن أكد على أنه «لا يوجد إحساس بضرورة الاتحاد الخليجي بين كل دول مجلس التعاون، ويجب أن تتبنى البحرين التحرك في هذا الاتجاه عبر اتخاذ خطوات معينة»، عاد كي يحذر من أن «الدولة الريعية جعلت الدخل بيد الحاكم، وبالتالي أصبح هو ليس بحاجة إلى المواطن، فهو يعتمد على الحماية الأجنبية عبر الأيدي العاملة وكذلك الدخل المستمر لديه، في حين يجب أن يكون هناك اعتماد على المواطن وليس الخارج لتنمية الذات لأن بهذه الصورة يبقى الشعب مغيباً عن اتخاذ القرار وسيبقى الوضع مشوهاً».
على صعيد آخر لفت سنان الجابري إلى أن «مشروع الاتحاد الخليجي بعد إعلان التحول إليه، اصطدم بحسب الغالب في كل الأحوال بالقرارات التنفيذية، والأمر يتطلب حالياً شراكة حقيقية عبر هيئة تأسيسية لتفادي تأجيل هذا الحلم لقمة بعد قمة»، مركزاً على الجانب الإعلامي الذي «نعاني في الخليج من أزمة إعلام، فالكثير من وسائل الإعلام لم تتناول القضية البحرينية على سبيل المثال خلال العامين الماضيين بدقة وموضوعية ومهنية، والسبب أن الكثير أصبح يعمل في هذه المهنة ويشتغل بها وهو ليس صاحب اختصاص أو تجده دخيلا عليها أصلاً، وهذا الموضوع يشمل حتى الجانب التعليمي».
من شارك في ذلك اللقاء لا يستطيع أن يطرد فكرتين لازمتاه وهو يتابع وقائعه، الأولى هي ما سمعه من بعض المتابعين للأوضاع السياسية في البحرين، ومن بينهم سياسيين بحرينيين أيضاً، وهو تصنيفهم للمؤتمر على أنه لا يعدو لقاءً معداً له سابقاً «يهدف للترويج لمشروع أمني خليجي يبرر الإجراءات الأمنية التي يمكن أن تقدم عليها دول مجلس التعاون في المستقبل القريب». وترد على هذا القول الأوراق التي قدمت والمناقشات التي عرفتها جلساتها، والتي شكلت في مجملها مبضعاً محترفاً وضع الاتحاد الخليجي على مشرحة الطبيب، والتي كانت هذه المرة، بخلاف أقوال أولئك السياسيين، مشرحة «تجمع الوحدة الوطنية». فحتى وفيما لو أقدمت دول مجلس التعاون على الأخذ بسياسة أمنية، فلن تكون تلك الخطوة نتيجة لما سمعناه وشاهدناه في ذلك اللقاء الذي تناول مسيرة الاتحاد الخليجي، ومن منطلقات نقدية علمية سليمة يمكن أن تشكل لبنة في بناء دراسات متكاملة حول الموضوع ذاته، وهو ما أفصح عنه رئيس الهيئة المركزية للتجمّع عبدالله الحويحي، في المؤتمر الصحافي الذي أعلن فيه عن عزم «التجمع» على «تنظيم مؤتمر الاتحاد الخليجي لمدة يومين يهدف إلى تشخيص الواقع الخليجي ورصد المخاطر التي تواجه الاتحاد الخليجي».
الفكرة الثانية هي تساؤل عن غياب بعض الجمعيات السياسية ذات اللون المختلف عن التجمع من المشاركة في المؤتمر رغم تأكيد الحويحي في مؤتمره الصحافي على أن «تجمّع الوحدة الوطنية دعا كافة ألوان الطيف السياسي بالمملكة للمشاركة في المؤتمر، كما وجه الدعوة لأكثر من 150 شخصية بحرينية و25 شخصية خليجية وعربية من المفكرين والمثقفين والسياسيين من جميع دول مجلس التعاون الخليجي واليمن ومصر للمشاركة في المؤتمر بهدف مد جسور التواصل بين المفكرين والمثقفين الخليجيين». إن كانت الدعوة لم توجه، فهذا خطأ غير مغفور لـ»التجمع»، وإن دعيت الجمعيات ولم تحضر، فهي الأخرى ترتكب جريمة لا تغتفر بحق الحراك السياسي في المجتمع البحريني، ومن ضمنه مثل تلك اللقاءات.
في اختصار كان اللقاء مثيراً، وطرح الكثير من القضايا التي تشكل تحدياً حقيقياً أمام كل من يتابع الأوضاع الخليجية، وفي القلب منها مسيرة الاتحاد الخليجي، وليس هناك ما يقال أكثر من مناشدة التجمع أن يواصل مثل هذه المسيرة التي تضع القضايا المصيرية، مثل قضية الاتحاد الخليجي تحت مبضع أطباء محنكين متخصصين، دون سواهم