الرأي

الأرض العربية تدوي بالانفجارات

الأرض العربية تدوي بالانفجارات

لا يمر يوم على أرضنا العربية إلا وسمعنا أن انفجاراً حدث في هذه المدينة أو تلك، هذه الانفجارات التي يروح ضحيتها العشرات من المواطنين، إن لم يكن المئات؛ لماذا لا يتحقق الأمن والاستقرار في الأرض العربية؟ ولماذا لا نسمع إلا نادراً أن يحدث انفجار في العواصم الغربية؟ فهل حُلم الأمن والاستقرار للمواطن العربي من المستحيل أن يتحقق؟ أم خلق المواطن العربي ليفطر ويتغذى ويتعشى على دوي الانفجارات ولا يسير على أرض إلا وبها سيلٌ من الدماء؟
فمن العراق إلى ليبيا، فلبنان وتونس إلى اليمن وسوريا، وغيرها من الأقطار العربية، فالمشهد الانفجاري واحد والقتلى هم ذاتهم من المواطنين العرب والفاعل ظاهرياً مجهولاً، لكنه يعيش بيننا وعلى أرضنا ويقتات منها ولكنه يُدمرها. لقد عانى العرب كثيراً من المآسي السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، لم تستقر الأوضاع العربية منذُ اتفاقية “سايس بيكو”، دماء شهداء التحرير وجهود مناضلي الاستقلال ضاعت هباءً بعد أن استلم الحُكم في الأقطار العربية رجالٌ ليس لهم علاقة بالتحرير ولا بمبادئ الاستقلال، حُكاماً عرب من مدنيين وعسكريين حَكموا الأقطار العربية وتحكموا في مصير شعوبها وبمقدراتهم، حَكموهم بالسيف والسوط في وقتٍ لم تفتح بعد دكاكين الديمقراطية ولا انتشرت سلع حقوق الإنسان، وبدلاً من بناء الإنسان وتنميته تمت ملاحقته وتعذيبه إن لم يتم قتله، وبدلاً من التنمية الاقتصادية والاجتماعية تم بناء السجون وإصدار قوانين الموت. وبدلاً أن يموت المواطن العربي في الأمس في غياهب السجون والمعتقلات بدأ موته بموضة جديدة وهي الانفجارات المدوية التي تهز جدران الوطن وتمحي الأجساد المتناثرة من الوجود.
إن مشكلة معظم الأقطار العربية أنها تعيش فوق مخزون نفطي يحتاجه العالم يومياً ولمدة 24 ساعة، ومشكلتها أيضاً أنها جميعاً مرافئ لمرور المواصلات البحرية والجوية إلى العالم، وإنها مجموعة من المتاجر والمحلات التي فتحت لتعرض وتبيع المنتجات الغربية وغير منتجة فيها، لذلك لابد أن يحدث الاستقرار والأمن في هذه الأقطار جميعاً، والأمن المطلوب هو الذي يجب أن يُؤَمن (النفط، المواصلات وبيع السلع الأجنبية)، والأمن المطلوب هو الأمن الذي يُحقق أهداف الدول المهيمنة والمسيطرة على القرارات السياسية والاقتصادية، ومنها الديمقراطية الشكلية التي تستجيب لتلك الدواعى الأمنية ، ومنها تقسيمات الأوطان “تجزئة الوطن” إلى أقاليم تتفق على الأزمات وتختلف في كل شيء، ومنها سيطرة فئة سياسية أو دينية أو مذهبية على تلك الأقاليم التي تم رسمها وتدار غرباً لخدمة لمصالحها وتحقيقاً لأجندتها. إن من أسباب تلك الانفجارات ليس فقط التدخل الأجنبي الغربي والإقليمي في شؤون الأقطار العربية، إنما الوضع العربي الداخلي يأخذ حيزاً كبيراً من هذه الأسباب، ونذكر البعض منها:
- ضعف الدولة العربية وتغيير حكوماتها عند حدوث أية أزمة سياسية مع القوى السياسية المعارضة. وكان من الأجدر أن تقوم هذه الدولة أو تلك بتغيير نهجها وأسلوبها في إدارة الحُكم بدلاً من التغيير المستمر في الحكومات.
- التعددية السياسية ووجود الأحزاب السياسية من الإصلاحات السياسية الصحية في الدولة، لكن عندما تفقد الدولة السيطرة عليها تكون وبالاً عليها. فبعض الأحزاب في الأقطار العربية تملك جانب القوى التنظيمية السياسية قوى عسكرية تنظيمية تكون جاهزة لأي حراك عسكري يؤدي إلى وقوع الحرب الأهلية بينها. والكثير من هذه الأحزاب تدير حواراتها بينها ميدانياً يروح ضحيتها المواطنون.
لذا، فإن الأحزاب والجمعيات السياسية التي يتم إنشاؤها في البلاد يجب أن تكون وطنية انتماءً وهدفاً ومبادئ دون الارتباط بأي قوى سياسية خارجية، ويجب أن لا يحمل أفراد السلاح، حيث أن السلاح مكانه الوحيد هو الدولة.
- غياب الديمقراطية الحقيقية سبباً من الأسباب التي تؤدي إلى عدم الاستقرار والاضطرابات السياسية في البلاد، فالديمقراطية الحقيقية تتطلب من جميع الأطراف السياسية والدولة الشفافية والأخذ بالحلول الوطنية من داخل الوطن دون اللجوء إلى الاستقواء بالجهات الخارجية.
- إن تصدير الأزمات العربية إلى خارج الحدود يعمل على تدويلها خارجياً، الأمر الذي يؤدي إلى تدخل قوى سياسية غربية وإقليمية في تعميق الأزمة لا في وضع الحلول لها، ويؤدي إلى تفتيت الوطن لا إلى جمعه، وإلى شرخ الوحدة الوطنية لا إلى التئامها. وأحياناً يؤدي إلى الدخول الدولي كطرفاً في النزاع من خلال هيئة الأمم المتحدة وتفعيل الفصل السابع من ميثاقها.
نتمنى أن يتحقق لنا يوماً واحداً دون قتيل أو جريح أو مفقود عربي، نتمنى أن تدرك القوى السياسية العربية التي تعمل في داخل الوطن بأن العودة إلى الوطن عند كل محنة أو أزمة تمر به هو الطريق الصائب لحل جميع محن الوطن، نتمنى أن يتحقق لنا شيئاً من الصفاء والوئام بين جدران وطننا العربي، نتمنى أن نعيش لنتفق لا لنختلف، لنبني وطناً لا نتقاسمه كغنائم، أن نصد كل الاختراقات الأجنبية بوحدتنا والتفافنا معاً دون تهميش أو إقصاء للآخر، وأن نوجه سلاحنا في نحر عدونا إذا اعتدى علينا لا أن نتقاتل به، لنعش في وطن يسعى إلى المجد لا في “حارة كل مِن إيدو إلوه” ليفعل بحارته ما يشاء؛ ويجب أن تكون أدياننا السماوية أداة لوحدتنا الوطنية والقومية لا نستخدمها كقنابل تتفجر هنا وهناك. فهل نستطيع أن نعيش في وطنٍ واحد.. وطن آمن ومستقر وموحد؟