الرأي

طموحنا أكبر

طموحنا أكبر

عكس المؤتمر الصحافي الذي عقد بعد اختتام الدورة الأخيرة لمجلس التعاون الخليجي المكانة الهامة التي يرى العالم دول مجلس التعاون الخليجي فيها، فمندوبو وكالات الأنباء ووسائل الإعلام الخليجية والعربية والدولية كانوا مشغولين بقضايا تتجاوز النقاط التي أُعلن عنها في البيان الختامي للقمة، لذلك كانت أغلب الأسئلة التي طرحت تضع دول الخليج العربي ـ باعتبارها منظومة متحدة ـ في سياق الأحداث التي تعصف بالمنطقة من أجل استكشاف أثر تلك الأحداث على الواقع الخليجي، من جهة، ومعرفة موقف دول الخليج العربي منها، من جهة ثانية، ولم تكن تقديرات المواطن الخليجي لأهمية خليجه بأقل من تقديرات وسائل الإعلام المختلفة، لذلك كان مشغولاً بدوره بسؤال استراتيجي كبير يتعلق بمستقبل دول الخليج العربي وهو: إلى أين وصلت إجراءات تفعيل مشروع اتحاد دول الخليج العربي؟!.
عقدت القمة الثالثة والثلاثون لدول مجلس التعاون الخليجي في مرحلة تاريخية يتحرك فيها كل شيء حولنا بأسرع مما يمكننا استيعابه، فلم تعد دول الخليج العربي بمنأى عن الأحداث المربكة التي تعصف بالمنطقة العربية وأيدي العبث امتدت لتهدد أمن الخليج واستقراره، وهناك أجيال من الشباب الخليجي تخرجت من جامعات عريقة وبتخصصات متعددة وتبحر في عالم المعرفة عبر تكنولوجيا الاتصالات المفتوحة بلا حدود؛ فترسم صورة مختلفة لمستقبل دول الخليج العربي مستمدة من ملامح العالم حولها، وفي خضم كل هذا ينظر المواطن الخليجي حوله فيرى عن شرقه الجارة إيران تتحرش بين الفينة والأخرى بأمنه واستقلاله تلوح تارة بإغلاق مضيق هرمز وتستفزه تارات عديدة بمناورات عسكرية تستعرض فيها ترسانة أسلحتها التي تتضخم عاماً بعد عام وتهدده دائماً بتحريك أذرعها الممتدة في أعماقه، وتلك الجارة لم تنهكها أزماتها السياسية الداخلية ولا الحصار الاقتصادي بما يكفي لتنشغل عنه فهي تمتلك اقتصاداً إنتاجياً قوياً يلبي أهم احتياجاتها الرئيسة ويمكنها من قمع احتجاجات شعبها، والعزلة الدولية الغربية والأمريكية التي فرضت عليها أوجدت إيران لها بدائل جديدة بتحالفها مع الصين وروسيا وباتجاهها نحو أمريكا اللاتينية ونحو أفريقيا في السنوات الأخيرة!!، ثم يدور المواطن الخليجي حول نفسه فيرى طوقاً ملتهباً بالاضطرابات تموج بها دول الجوار ابتداء من العراق وسوريا ولبنان، وانتهاءً باليمن التي تصارع القاعدة والحوثيين من أجل بناء دولة جديدة مستقرة؛ فيدرك المواطن الخليجي أن تطوير الاتفاقيات العسكرية والأمنية برغم أهميتها في ردع أي تهديد عسكري مباشر وفي تقفي الخلايا النائمة التي تستيقظ تباعاً وتتحرك مجاميعها بين دول الخليج العربي ليست كافية بالدرجة التي تحمي دول الخليج العربي من كم الأخطار المحدقة بها!!
بعد ثلاثة وثلاثين عاماً، وهي ليست بالأعوام القليلة أبداً!، فإن المواطن الخليجي يجد من الصعب عليه تقبل فكرة أن الوقت مازال باكراً لتحقيق الاتحاد الخليجي!! فطموحات شعب الخليج العربي في إنجاز الاتحاد بأي صيغة كانت تحول دول الخليج العربي إلى منظومة متحدة قوية تملك عملة نقدية موحدة وقوانين وتشريعات متسقة تجعل من دول الخليج العربي كتلة صلبة أمام التحديات التي تواجهها نتيجة المتغيرات الإقليمية هي طموحات مصيرية وحاجة ملحة في حماية دول الخليج العربي والوصول بها إلى أفق مستقبل رحب يرتقي بها إلى مصاف الدول المتقدمة. فشعب الخليج العربي يطمح أن يحقق هذا الاتحاد تغييرات اقتصادية نوعية تتجه بالسياسات الاقتصادية الخليجية نحو الاقتصاد الإنتاجي الذي يستثمر في الزراعة والصناعة داخل دول الخليج العربي لإيجاد حد أدني من الاكتفاء الذاتي وإتمام الناقص منه بالاستثمار في هذه المجالات في الدول العربية وخصوصاً دول الجوار التي تدعم أمن الخليج العربي وترى في استقرار دوله امتداداً لاستقرارها. ويطمح شعب الخليج أن تتجه دوله المتحدة إلى استخدام الطاقة البديلة وخصوصاً الطاقة الشمسية غير المهددة بالنضوب كالنفط، ويطمح شعب الخليج أن يرتقي الاتحاد بدوله فتحقق قفزات نهضوية في مجالي التعليم والصحة لتصير المنطقة مركزاً للجامعات (الخليجية) العريقة ومعاهد البحث المتطورة، ومقراً للمراكز الطبية (الخليجية) المتقدمة في مختلف التخصصات بدل أن يسافر الخليجي شرقاً وغرباً طلباً للعلم في أيسر المعارف، وسعياً لتلقي العلاج في أبسط الأمراض. ويطمح شعب الخليج أن تتوحد السياسات الخارجية لدوله لتصبح قوة إقليمية لها ثقلها في التوازنات العربية والعالمية فتؤثر إيجاباً في حل مشكلات المنطقة لتتمكن من استعادة العراق من براثن الاحتلال الإيراني، وتتمكن من مساعدة السوريين في تأسيس سوريا ما بعد الأسد بما يخدم وحدة الشعب السوري وتطلعه نحو الديمقراطية والتقدم، وأن تكمل الدور الذي بدأته في حل الأزمة في اليمن التي مازالت بعض قضاياها معلقة لارتباطها بالمبادرة الخليجية، وأن تكون دول الخليج داعماً للاستثمار الاقتصادي في مصر وفي بلدان الثورات العربية في هذه المرحلة المتحولة القاسية التي تمر بها المنطقة.
قد تبدو تلك الطموحات كبيرة وكثيرة إزاء قدرة دول الخليج العربي على تحقيقها، لكنها من زاوية نظر شعب الخليج تمثل الخطوط العامة لطموحاته، والقدر المرضي لتوقعاته، فدول الخليج العربي تمتلك الوفرة المالية التي تمكنها من تحقيق الكثير من الإنجازات المثمرة مستقبلاً، والمواطن الخليجي امتلك من وسائل العلم والوعي ما يؤهله لإنجاز تلك الطموحات بنفسه متكاملاً مع محيطه العربي، والأهم من كل ذلك أن شعب الخليج شعب متجانس ومتحد في أصوله العرقية وامتدادته الجغرافية وهو مؤمن بأهمية استقرار أنظمة الحكم في دوله وبارتباط الأسر الحاكمة بتاريخه ومستقبله، وهو مدرك لضرورة تطوير الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الخليج وفق المفاهيم والأطروحات الديمقراطية والحقوقية المستجدة التي تضمن استقرار دول الخليج ومواجهتها لموجات التغيير التي يحاول المتربصون ركوب موجتها لفرض أجندات خاصة تهدد أمن الخليج العربي وهويته .
إن الشعب الخليجي يقارن مسار الاتحاد الخليجي بمسار مختلف التحالفات الحديثة في العالم وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي الذي قام على أسس تشريعية واستراتيجية متينة على الرغم من التناقضات العرقية والتباين في أنظمة الحكم السياسي بين بلدانه وعلى الرغم من الفوارق الاقتصادية التي أنتجت أزمات اقتصادية عديدة تحاول الدول الأوروبية تجاوزها باستماتة حفاظاً على مكتسبات الاتحاد.
الاتحاد الخليجي مطلب شعبي، وطموح متعلق بمصير الخليج العربي وأمنه واستقراره، ولا أدل على جدية الشعب الخليجي في المطالبة بالاتحاد وإدراكه بضرورته من رسالة البيان الختامي لمؤتمر «الاتحاد الخليجي مطلب شعبي» الذي نظمته جمعية تجمع الوحدة الوطنية وعقد الشهر الماضي في البحرين استباقاً لقمة مجلس التعاون الخليجي وناشد فيه الحاضرون قادة دول مجلس التعاون الخليجي بسرعة تفعيل الخطوات الإجرائية للاتحاد الخليجي استجابة للضرورات الأمنية الملحة بتحقيق الاتحاد وتحقيقاً لطموحات الشعب الخليجي المترتبة عنه، هناك خطى جادة من أجهزة مجلس التعاون للتوسع في التنسيق بين دول مجلس التعاون في مختلف المجالات، لكن طموحات شعب الخليج تتجاوزها وتطالب بالاتحاد حتى لو بدأ مرحلياً بين الدول المستعدة للانخراط فيه وانتظار باقي الدول كي تتم استعداداتها وتلتحق بالاتحاد.