الرأي

من المسؤول عن تهيئة أجواء الحوار؟

من المسؤول عن تهيئة أجواء الحوار؟

منذ أن أعلن وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف الشيخ خالد بن علي آل خليفة في 21 يناير عن مشروع جديد لـ «استكمال حوار التوافق الوطني» بتوجيهات من جلالة الملك، ورغم أن القوى السياسية الرئيسة والمعنية ببدء الحوار أعلنت ترحيبها به وهي ائتلاف الجمعيات السياسية الوطنية إضافة إلى الجمعيات الست، وتحديد يوم الأحد المقبل موعدا لإنطلاقه، إلا أننا لم نجد حقيقة عملاً صريحاً يمهد لتهيئة أجواء بدء الحوار، والأهم تهيئة الناس لتقبل ذلك وتقبل ما سينتجه من توافقات!!
على العكس من ذلك نجد وتيرة العنف والتخريب ازدادت في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ ومستغرب ومرفوض!! إذ نعلم جميعاً أن الناس التي ضاقت ذرعاً من أعمال العنف ومن التخريب بكل أشكاله كانت تطالب أولاً وقبل أي حديث عن حوار وتوافق ولم الشمل وعودة اللحمة وما إلى ذلك، تطالب بالأمن وبوقف كل أشكال التخريب، وهو مطلب ظل يتكرر على مدى عامين ولم يجد صدى عند (المعارضة)، فهي تعتبره ورقة ضاغطة لا تريد التنازل عنها رغم كل مالها من تأثير سلبي على مكونات المجتمع التي حصلت بينها أزمة ثقة عميقة.
هل تعلم الوفاق ومن معها -لا ريب أنكم تعلمون- أن المجتمع اليوم منقسم بطريقة لم يشهد لها مثيل سابقاً، هل تعلمون –لا ريب أنكم تعلمون- أن أفعالكم منذ أزمة فبراير 2011 هي السبب الأكبر لذلك، نعم الكل يتحمل ما وصلنا إليه اليوم، وهناك من عزف على نار الفتنة والطائفية (من مختلف المواقع والأطياف)، ونعم هناك أخطاء وقعت بها الدولة قبل وبعد فبراير، وهناك مشاكل اجتماعيه عديدة واقتصادية كان يمكن أن تتجنبها الدولة؛ بل وبكلام أكثر وضوحاً تتحمل مسؤوليتها الدولة باعتبارها راعية الجميع، لكن كل ذلك كان يمكن أن يحل ضمن العمل السياسي الوطني المخلص في حدود المسلمات التي لا يمكن تجاوزها لو صدقت النوايا، وهي (عروبة البحرين وامتدادها الخليجي وأمنها والحكم الخليفي والحفاظ على السلم الأهلي)، ماعدا ذلك قابل للأخذ والعطاء والتباحث وتبادل الرؤى والطموح، فالتعديلات الدستورية ممكنة ومزيد من العدالة الاجتماعية مطلوبة وقوانين الانتخابات وتوزيع الدوائر والتمثيل البرلماني وما إلى ذلك ليست قوانين سماوية، ومحاربة الفساد ومحاسبة المفسدين أياً كانوا، هذه مطالب نتبناها أكثر منكم، فهل هذا فقط ما كنتم تطالبون به، طبعاً لا ولسنا في حاجة لتذكيركم.
لذلك توقعنا منكم هذه المرة تحديداً الإسراع بوقف العنف، لكن ذلك لم يحدث؛ بل زادت وتيرة العنف في الأيام الأخيرة، ونفسر ذلك بالتالي؛ إما أنكم لا تريدون إيقاف العنف تزامناً مع دخولكم الحوار حتى لا يفسر الأمر بأنكم كنتم قادرين على إيقافه منذ البداية، رغم نفيكم لذلك مراراً ومحاولة الظهور أمام الرأي العام بأنكم لا تتحكمون بالمخربين ولا تأثير لديكم عليهم، وإما أنكم تريدون مواصلة العمل من خلال فصيلين؛ أحدهم يدخل الحوار والآخر يقوي موقف المتحاورين من خلال الضغط والتصعيد في الشارع لتحقيق مزيد من المكاسب!!
تعلمون كما نعلم يقيناً أن إيقاف العنف والتخريب لا يحتاج سوى خطبة جمعة واحدة، وبعدها لن نرى إطارات تحرق شوارع البحرين وتحرق قلوبنا عليها، وتعلمون أنه مهما كان ضغطكم في الشارع فلن يكون هناك تنازلات عن ثوابتنا الوطنية، وتعلمون كما تعلم الدولة (وواقع السنتين الماضيتين يؤكد ذلك) أن ورقة التخريب أو الحل الأمني لن يكون حلاً مستمراً ولن يوصل لنتائج نهائية ولن يكون في صالح أحد!!
فلما هذا التصعيد والعنجهية والأنانية والغباء السياسي؟! الفرصة اليوم مواتية لكنها تحتاج لعمل طويل وجاد ولروح وطنية تغلب مصلحة الوطن، كما تحتاج لدخول الحوار بهدف سامٍ قبل كل شيء هو انتشال البحرين من الأزمة الخانقة التي يعيشها الجميع وتفجرها من جديد، نخشى ما نخشاه أن يكون على المستوى الشعبي بين مكونات المجتمع، خصوصاً والوضع العربي والإقليمي كله يؤجج مخاوفنا، فما نراه في سوريا والعراق ولبنان واليمن والتدخلات الإيرانية والدولية تجعل من بلد صغير ذي تركيبة مجتمعية معقدة كبلدنا عرضة للانجرار والوقوع في نفس المنزلق لا قدر الله.
- شريط إخباري..
لا نريد أن نتشاءم لأننا استبشرنا بالحوار، ونطالب الجميع -دون استثناء- العمل على تهيئة أجوائه، بدءًا بالمنابر الدينية التي من المفترض أنها تحمل رسالة التسامح المحمدية العظيمة التي احتوت الجميع مسلمين وغير مسلمين، فكيف لها ألا تسع أبناء الدين الواحد والوطن الواحد!! كما وللرموز السياسية والاجتماعية ونشطاء فضاء التواصل الاجتماعي وللكتاب وصناع الرأي العام ومؤسسات المجتمع المدني والجمعيات النسائية للمدرسين والأمهات في البيوت والنوادي الرياضية والصناديق الخيرية، للكل دور مهم في إعادة تشكيل مزاج الشارع وهي مهمة صعبة وشاقة، وعلى من يعتنقها أن يكون مستعداً لتحمل ما قد يناله من اتهامات وهجوم، وأن يحتسب ذلك لوجه الله وحباً في هذا الوطن الغالي الذي يستحق منا الكثير ولمصلحة الأجيال القادمة التي سنظلمها أيما ظلم لو أضعنا الفرصة تلو الأخرى.