الرأي

أنقذوا البحر والثروة السمكية قبل فوات الأوان

رؤى

البحر ليس ديكوراً وليس كورنيشاً لأجل لعب الأطفال فقط؛ بل إنه يمثل تاريخاً لهذا الوطن، وهو قبل كل شيء مصدر رزق لآلآف الصيادين (والبحَّارة) مع أسرهم في هذه الجزيرة الناعمة.
اليوم وبفعل عوامل كثيرة لم يبق أمام الصيادين البحرينيين إلا أن يغادرو البحر أو أن يصلوا صلاة الغائب عليه.
حين التقيت بمجموعة من الصياديين البحرينيين وجدت أنهم يشتكون ويشكون وضعهم المؤلم بسبب ضعف الصيد وقلَّة موفور السمك من الثروة السمكية، فلا شيء في الأفق يُبشِّر بالخير، وكل ما يواجهه الصيادون اليوم هي مجموعة من التحديات الكبيرة والعوائق الضخمة التي تعترض طريق مهنتهم ورزقهم، بينما كل الجهات المعنية بأوضاع الصيادين لم تعد تهتم بهم وبمصدر رزقهم الوحيد، بل أصبحت كما يعبر أحدهم بأنها ليست لها أيَّة صلة وعلاقة بالبحر!!.
هناك كثير من العوامل والأسباب التي جعلت مهنة الصيد معرضة للزوال في البحرين، كما إن هذه الأسباب كانت ومازالت المصدر الأكثر خطورة على واقع الثروة السمكية في البلاد.
يقول الصيادون إن هنالك اليوم أكثر من 2500 رخصة صيد، غالبيتها رخص غير مستحقة، كما إن هناك أكثر من 12 ألف بحار أجنبي يجوبون البحر طولاً وعرضاً ويصطادون السمك بطريقة جائرة دون حسيب أو رقيب!.
قال لي أحد البحارة وبالحرف الواحد (إنما أوصلنا لهذا الحال المزري هو كثرة (البحَّارة)، وجلب طرق دخيلة للصيد على مجتمعنا، وتعدد طرق الصيد المدمرة لأهم مورد غذائي، وذلك عبر بوانيش صيد الربيان (الكراف) بأعداد كبيرة، وهو آلة مدمرة لقاع البحر، مما تسبب القضاء على عشرات الأطنان من الأسماك الصغيرة وجرف الزي وهو شريان الحياة البحرية، إضافة لعشرات الآلاف من القراقير كل عام. إن كل بانوش في هذا اليوم يرمي أكثر من ثلاثة آلاف قرقور، ناهيك عن آلاف القراقير المخصصة للقباقب في المياه الضحلة والعميقة، فتقضي هذه الطرق على كثير من أسماك البالول، كما ترمى آلاف الشباك في جميع أنحاء البحر كل يوم، سواء من الساحل أو من العمق، علاوة على شباك الهيال المستخدمة لأسماك الكنعد، ومئات من شباك ما يسمى بالعراض لأسماك الشعري في موسمي رمي البيض، وزادنا اليوم بلة على طيننا وعلى كل ذلك هو ما يسمى (بالخية)، إذ يُرمى في الشهر أكثر من خمسة ملايين خطاف (ميدار) مزود بالطعم والأخطر من ذلك ما يسمى (بالقفية) وهذا النوع حديث الاستعمال، حيث ترمى في الشهر أكثر من مليونين قفيه مزودة بالطعم، وهذان النوعان من أخطر أنواع الصيد على الإطلاق، وهما ممنوعان في دول الخليج العربي، وبسببهما أصبح أسماك الهامور وأسماك أخرى شبه منقرضة في البحرين، وكل ذلك لمصلحة فئة قليلة من الناس).
صيد جائر وإعطاء الآلاف من رخص الصيد موزعة على البحرينيين وغيرهم، وعدم مراقبة الصياديين الآسيويين، واستخدام كافة الأدوات الممنوعة للصيد، كما إن غالبية الصيادين الأجانب ليسوا من محترفي الصيد ولا حتى من الهواة، كل ذلك جعل طريقة الصيد غير مأمونة لا من الناحية الفنية ولا البيئية، مما نتج من هذه الفوضى أنْ دُمِّرت مصائد الأسماك وقاع البحر، وتم القضاء على الأسماك المفترسة، وعلى كل الشّعب المرجانية والحياة الفطرية، بل هناك دراسات علمية يؤكدها أهل البحر من المحنكين من صيادي البحرين أن السمك في بحرنا بدأ يهاجر بصورة مخيفة إلى مناطق أكثر أمناً من بحرنا، والسبب في كل ذلك هو في الفوضى التي خلقها الآسيوي العابث في البحر!.
بحرينيون عاديون وموظفون حكوميون وتجار لا يعرفون السباحة ولا يعرفون أنواع وأسماء الأسماك يحصلون على رخص صيد بطريقة قانونية مع الأسف الشديد، وعن طريق الجهات المخولة بذلك الأمر، ليقوموا بعدها بإيجار تلك الرخص للعمالة الآسيوية التي لا تعرف أين يقع البحر، ومع مرور الوقت، ولأنهم يريدون أرباحاً سريعة وجدناهم يستخدمون كافة الطرق غير المشروعة من أنواع الصيد الجائر دون مراعاة للأضرار الناجمة لذلك كله.
كل تلك العوامل التي ذكرناها، مضاف إليها دفان البحر ستجعل البحرين بلا بحر.
المسؤولية الأساسية اليوم تقع على عاتق إدارة الثروة السمكية في الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية، وتقع أيضاً على أصحاب الرخص الذين يؤجرون رخصهم للعمالة الآسيوية من غير الصيادين، وعلى كل مؤسسة رسمية ومدنية تهتم بالبحر والحياة الفطرية، كما يقع جزء كبير من المسؤولية على عاتق أعضاء مجلس النواب وعلى البلديين كذلك، والمناط بهم خلق تشريعات قوية ورقابة صارمة تحفظ ثرواتنا البحرية وبحرنا، وإلا فلن تأكل الأجيال القادمة أي نوع من الأسماك، ولن تَعْرِفَ كذلك معنى الثروة السمكية إلا في كتب التاريخ، وربما لن ترى البحر أيضاً رغم أننا نعيش في البحرين وليس في البحر الواحد.