الرأي

الهنــــــود قـــــادمــون.. فمــــاذا نحن فــــاعلــون؟

نــــوافـــذ

نشرت «مجلة ارابيان بيزنس» في عددها رقم (37) تقريراً خاصاً عن أقوى 100 شخصية هندية في منطقة الخليج، وهذه هي المرة الثالثة على التوالي التي تقوم بها المجلة بمثل ذلك المسح الميداني. جاء في المقدمة أن المدير المنتدب لمجموعة «إي إم كي إي» (EMKE) ، يوسفـالــــي ما (Yusuffali Ma)، «والبعض يناديه باسم يوسف علي أمكي، النشط في قطاع التجزئة بثروة قدرتها المجلة هذا العام بحوالي 5.4 مليار دولار، تدير أعمـــال تشغل 27 ألــــف موظــــــف، من بينــهم 22 ألــــف مـــــن الهنود، وقد كان أمكي قبـــل عامين يحتــــــل المركـــــز الرابـــــع بثروة قدرت حينها بحوالي 1.3 مليار دولار. جــــاء في المرتبـــة الثانية هذا العام رئيس كاتاريا القابضــــة (Kataria Holdings) راغوفندر كاتاريا (Raghuvinder Kataria)، بثروة قدرتها المجلة أيضاً بحوالي 204 ملايين دولار. آخر اسم في القائمة كانت مصممة الأزياء الهندية المقيمة في دبي أيشا ديبالا (Ayesha Depala)، وهــي التي -كما جاء في التقرير- اختارتها فنانة بولوود الهندية كاجول لتصميم أزيائها التي ارتدتها في حفل تكريمها الذي أقامته لها مجلة فوغ (Vogue) في أغسطس 2012.
بطبيعة الحال كانت النتائج في المرتين الماضيتين مختلفة. ففي العام 2010 تبوأ الصدارة «ميكي جاغتياني» بثروة «تقدر بنحو 2.65 مليار دولار»، الذي أطلقت عليه المجلة لقب «ملك التجزئة» بثروة قدرتها المجلة بحوالي 1.3 مليار دولار، ويديـر مجموعة تجارية بلغت عملياتها خلال العام 2009 بنحو 3.2 مليارات دولار».
الملفت في ذلك المسح هو تلك الخارطة التي توسطت ذلك العدد من المجلة وحملت عنوان «الهنود في المهجر»، والذي تصدرته مقدمة تقول «لا أحد يعرف تماماً كم هو عدد الهنود الذين يعيشون أو يعملون خارج وطنهم الأم، لكن التقديرات تميل إلى القبول بأن الرقم يربو على 30 مليوناً، وهو رقم يزيد على عدد سكان السودان. ووفقاً لتقديرات البنك الدولي، يأتي حجم الجاليات الهندية في المهجر في المرتبة الثانية عالمياً، بعد المكسيكية.
مراجعة سريعة لتلك الخارطة لأولئك الهنود، وقراءة سريعة لأرقام أخرى بشأنهم تكشف الحقائق التالية:
1. يبلغ إجمالي الهنود في منطقة الخليج، باستثناء الكويت التي لم يرد اسمها في الخارطة، حوالي 4 ملايين من بينهم حوالي مليونان يقطنون ثلاث دول خليجية هي الإمارات والبحرين وقطر. هذا يعني أن مجموعهم يفوق العدد الإجمالي لعدد السكان الأصليين لتلك الدول.
2. يفوق عدد الهنود في الخليج عددهم في الولايات المتحدة، التي يعيش فيها ما لا يزيد عن 3 ملايين هندي من أصل ما يربو على 150 مليوناً هو عدد سكان الولايات المتحدة الأمريكية، معظمهم من المهنيين والطلاب، ويندر أن يكون بينهم أمثال أولئك الأثرياء في الخليج ويتحكمون في قطاعات مفصلية مثل تجارة التجزئة التي يسيطر عليها في الخليج يوسف أمكي، وميكي جاغتياني الذي قدرت ثروته في العام 2010 بنحو 2.65 مليار دولار، ويعتبر كما تقول عنه مجلة ارابيان بيزنس «واحداً من أكثر الرموز الاقتصادية تأثيراً في منطقة الشرق الأوسط في مضمار تجارة التجزئة حيث يطلق عليه البعض لقب ملك التجزئة».
3. يتوزع الهنود في الخليج على أطياف القطاعات المنتجة كافة، فإلى جانب التجارة والاستثمار هناك خدم المنازل والمهنيون المهرة، وخاصة في قطاع الطب والمحاسبة، دون أن يستثني من ذلك قطاع التعليم، حيث تحتضن المدارس الهندية الخاصة عشرات الآلاف من التلامذة الهنود ممن يتلقون الدراسة وفق مناهج هندية خالصة لا علاقة لها بمناهج البلدان التي يقيمون فيها.
4. تحرص الجاليات الهندية في الخليج على تسليط الأضواء على إنجازاتها المميزة في هذه المنطقة، ففي العام 2008، على سبيل المثال لا الحصر، سلم الشيخ فيصل بن خالد القاسمي، رئيس مجلس إدارة مجموعة «الفارعة» (a’Al Fara) جاي. آر. جنجرماني «المتخصصة في مجال توفير خدمات الإنشاءات المتكاملة جائزة إنجاز العمر وذلك خلال حفل توزيع جوائز (الإنجاز لمواطني الهند المغتربين - النسخة الخليجية) الإنجاز- فئة الشباب (Young Icon Award)».
5. تتحدث التقارير عن قفزة متوقعة في حجم التبادل التجاري بين الهند ودول الخليج كي يصل إلى «130 مليار دولار أمريكي خلال العام 2013 - 2014، بعد أن كان ما يربو على 118 مليار دولار أمريكي خلال العام 2010 - 2011». على نحو مواز، وكما جاء على لسان الرئيس التنفيذي لبنك الدوحة ر. سيتارامان، تتنامي «الاستثمارات الخليجية في الهند بصورة كبيرة خلال العامين الماضيين وتقدر الآن بأكثر من 125 مليار دولار أمريكي. وتعتبر هذه الأرقام بمثابة قفزة كبيرة في حجم التبادل التجاري بين الجهتين الذي لم يكن يتجاوز في الفترة من أبريل 2004 إلى مارس 2005».
إن كان كل ذلك يعني أن الهنود سيبقون كعنصر ثابت في المنطقة، ومن ثم فليس من المستبعد أن يكون لدى الهند، بشكل أو بآخر، مشروعات مدروسة بشأن الخليج وهي محقة في ذلك، ومن السذاجة، وربما من غير الحكمة تخطئة سلوك صحيح باتت تأخذ به الدول المتقدمة من أمثال الهند، التي تحول أية ظاهرة إيجابية من مجرد تراكم عفوي إلى خطط واعية تضمن تطور ذلك العفوي وتكفل له مقومات الاستمرار. يبقى السؤال الأهم خليجياً؛ ما الذي حضرته دول مجلس التعاون كي تستفيد هي الأخرى من تلك الظاهرة الهندية طالما أن الهنود قادمون، بل هم موجودون وليس في نيتهم المغادرة؟
في البدء ينبغي تحاشي أي رد فعل عفوي ينطلق من ذهنية منفعلة ويقوم على الرغبة في الانتقام أو البحث عن بديل آخر لن يكون طالما أنه لا يستند إلى خطة مدروسة بإحكام إلى نهايات سيئة، يكون ضحيتها بالإضافة إلى الهنود، الذين لم يرتكبوا أي ذنب، أهل المنطقة الأصليين ومستقبلها. من هنا ينبغي لأي معالجة حكيمة أن تنطلق من المعطيات التالية:
1. القيام بمسح اقتصادي/ سياسي/ اجتماعي علمي متكامل يشخص الوجود الهندي في منطقة الخليج بكاملها. القصد من هذا المسح امتلاك الرؤية السليمة التي تقلص سلبيات ذلك الوجود وتعمل على تعزيز إيجابياته في نظرية وطنية متكاملة.
2. البحث عن النقاط القادرة على تجسيد نقاط المكاسب المشتركة التي تضمن الربح المتبادل للطرفين، والقائمة على استمرار الوجود الهندي في الخليج بدلاً من التفكير في استئصاله لاستحالة ذلك في المستقبل المنظور كحد أدنى، دون استبعاد فكرة توطين نسبة منه وفقاً لخطط مدروسة ومقاييس علمية واضحة تأخذ في الحسبان مصلحة الطرفين؛ الخليجيين والهنود على حد سواء.
الهنود قادمون، بل هم موجودون، فماذا أنتم يا عرب الخليج فاعلون؟ أم ستمكثون واقفين في انتظار مستقبل لا تعرفونه؟.