الرأي

الحاسوب اللوحي العربي

نــــوافـــذ

بعد أن أعرب وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصري هاني محمود عن سعادته البالغة بالتعاون المثمر بين شركة اتصالات مصر والشركة العربية لتصنيع الحاسبات (إحدى شركات مجموعة الخرافي) لصناعة أول حاسوب لوحي عربي، عاد كي يؤكد بأن «جهاز التابلت، الذي سيكون البديل الأمثل للكتب الدراسية للطلبة في المرحلتين الابتدائي والإعدادي بسعر يناسب الجميع بداية من العام القادم طبقاً لخطط وزارة التعليم، مشيراً إلى أن اكتمال هذا التعاون يأتي في (نطاق) إنشاء برامج تعليمية تحمل على الجهاز حتى يتم التوسع وتعميم الجهاز في جميع المراحل التعليمية».
من جانبهما أشار الرئيس التنفيذي لشركة اتصالات مصر سعيد الهاملي والرئيس التنفيذي لمجموعة الخرافي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات خالد خورشيد في حفل توقيع اتفاقية التعاون والشراكة بين الشركتين، إلى «أهمية هذه الشراكة في هذه الوقت بالتحديد لإعطاء الثقة للاقتصاد المصري الذي يتطلب تعاون الشركات الكبرى وتقديم المثل من أجل تحقيق معدلات النمو المرجوة». وتجدر الإشارة إلى أن قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بمجموعة الخرافي «تخطت استثماراته 2 مليار جنيه ويوفر هذا القطاع منتجات عالية الجودة كالحلول التعليمية المتكاملة للأفراد والمؤسسات منذ 8 سنوات، تم خلالها تدريب من خلال هذا القطاع أكثر من 20 مهندساً متخصصاً في النانو تكنولوجي».
ليس هذا هو المشروع العربي المشترك الوحيد في قطاع الاتصالات والمعلومات، فقبل أيام كشف النقاب عن صفقة تمت بين «شركة عرب هارد وير المتخصصة في بيع مكونات أجهزة الحاسب الآلى عبر الإنترنت ببيع نصف اسهمها إلى شركة متعددة الجنسيات تضم مستثمرين مصريين وإماراتيين وسعوديين بقيمة مليون دولار على أن يحتفظ المساهمون الرئيسون بالشركة بحق الإدارة». وكما ورد في الخبر «تقوم شركة وموقع هارد وير بتجربة منتجات الهاردوير للشركات العالمية وتسعى الشركة إلى إضافة نشاط البيع اونلاين لتصبح أول متجر إلكتروني متخصص ببيع الإلكترونيات والهاردوير بمنطقة الشرق الأوسط ويبلغ عدد زوار موقع شركة عرب هارد وير أكثر من 40 ألف زائر حالياً وأكثر من 80 ألف مشترك على الفيس بوك و36 ألفاً على تويتر».
وكما يبدو فإن هناك توجهاً للنهوض بهذا القطاع والعمل على تعريب مكوناته المختلفة في مصر، فقبل أكثر من عام، وتحديداً في يناير 2011، دشنت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصرية «التشغيل التجريبي لأول نطاق على الإنترنت باستخدام الأبجدية العربية (دوت مصر) لزيادة الخدمات الإلكترونية وعدد مستخدمي الشبكة الدولية في أكبر الدول العربية سكاناً». وفي هذه المناسبة أكد وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصري طارق كامل «أن استخدام اللغة العربية في عناوين المواقع على شبكة الإنترنت من شأنه زيادة أعداد المستخدمين والوصول بالخدمة إلى شرائح مجتمعية جديدة، موضحاً بأن استخدام النطاق العربي يزيل أي عائق لغوى منذ بدء تشغيل جهاز الحاسب وحتى الوصول إلى أي معلومة على الإنترنت، مشيراً إلى أن هذا سيتيح للجهات الحكومية التي تقدم خدمات للحكومة الإلكترونية والشركات الراغبة في تقديم خدمات التجارة الإلكترونية ومخاطبة المواطنين والمستهلكين بلغتهم وجعل مواقعها على الإنترنت في متناول الجميع».
ولا يقتصر الاهتمام بهذا القطاع لتلبية متطلبات السوق العربية المتنامية، على الشركات المحلية أو الإقليمية، بل امتد كي يشمل بعض الشركات العالمية مثل «أبل»، فقبل أيام أيضاً، «تناقلت بعض المدونات والمواقع العربية اعلاناً نشرته ابل الأمريكية عبر صفحة الوظائف الخاصة بها تطلب فيه متدربين للعمل في موقع الشركة في ولاية كاليفورنيا على مشروع «سيري» باللغة العربية وهذا ما يدل على أن ابل تنوي إصدار نسخة معربة من التطبيق سيري الخاص بهواتف الايفون والايباد، الذي يعمل كمساعد صوتي فى هواتف الايفون 5 وايفون 4 جي اس والايباد 3 والايباد ميني».
لا شك أن خطوة تصنيع الحاسوب اللوحي العربي هي خطوة إيجابية وحدوية جريئة، وعلى أكثر من صعيد، فعلى الصعيد الاقتصادي هو زواج مالي صناعي طبيعي غير قسري ولا مفتعل، التقى فيه الرأسمال السعودي العربي النقدي السائل، مع المؤهلات المصرية العربية الماهرة، كي يخلفا منتجاً عربياً يلبي احتياجات السوق العربية المحلية التي استنزفتها المنتجات الأجنبية المشابهة التي لم تعد تفرضها المصانع الغربية فحسب، بل باتت تغرقنا بها المستوردات من العواصم الشرقية أيضاً، بما فيها البلدان الصغيرة من أمثال كوريا وتايوان.
أما على الصعيد السياسي، فهي بدون شك، ترسيخ لمطلب شعبي عربي يجسد الطموحات الوحدوية المكبوتة في صدور المواطن العربي، والمهزومة في فكر مثقفيه، والمشكوك في إمكانية تحقيقها من وجهة نظر طلائعه، أو يفوق في أهميته على أرض الواقع، وفي كتب التاريخ، كل الشعارات الوحدوية التي ماتزال تلوكها بعض الفضائيات العربية، ولا يكاد أن يخلو منها خطاب مسؤول عربي، حاكماً كان ذلك المسؤول أم في صفوف القوى المعارضة.
أما على الصعيد الاجتماعي، فهي أفضل بما لا يقاس مع أي برنامج عربي أو حتى قطري لمحاربة البطالة، وللحد من تدفق اليد الماهرة غير العربية إلى الأسواق المحلية على حد سواء، ومن ثم فهي مساهمة ملموسة، وإن كانت متواضعة، في هذه المرحلة، كأحد الحلول العملية المجدية لوقف نزيف هجرة العقول العربية المبدعة، وتوطين المهرة والمبدعين منها في المنطقة العربية، بعد حماية هذه الأخيرة من الغزوات البشرية الأجنبية، وتحصينها ضد فقدان مواردها البشرية المحلية.
ولو أخذنا ارقام السوق المصرية وحدها، فربما نجد فيها هذه الصورة واضحة على أفضل نحو، كما رسمها رئيس قطاع بحوث التسويق والدراسات السلعية والمعلومات بوزارة الصناعة والتجارة الخارجية المصرية حسين عمران حين تحدث في ندوة «الآثار الاقتصادية والاجتماعية للإلكترونيات وتقنية المعلومات»، التي عقدت في القاهرة في يوليو 2012 ، مشيرا إلى أن «حجم انتاج مصر عام 2011 من المكونات الإلكترونية 350 مليون دولار، ويستوعب 16 ألف عامل، وبلغت قيمة الصادرات المصرية من الإلكترونيات والبرمجيات وتقنية المعلومات 1.1 مليار دولار عام 2011 منها المكونات الإلكترونية 25 مليون دولار وتمثل نسبة 0.5% من الانتاج الصناعي».
يقفز في أذهاننا ونحن نقرأ عن هذا الزواج الصناعي العربي، ما نقله الكاتب ياسر عساف عن المفكر البريطاني «بول جونسون» الذي وصف وضع العرب في أواخر القرن الماضي قائلاً «لقد ضيع العالم العربي فرصته الكبيرة التي سنحت له مع طفرة الازدهار النفطي، لقد كان بوسع العرب أن يطوروا أنفسهم وكان بمقدورهم أن ينتقلوا بفكرهم إلى العصر الحديث، وكان بإمكانهم أن يستحدثوا نظاماً اقتصادياً وصناعياً خاصاً بهم، ولكنهم لم ينجزوا هذه المهام وأنا أتوقع أن يدخل العالم العربي القرن الواحد والعشرين وهم أقل أهمية مما كانوا عليه في السابق».
وإذا ما أردنا أن نخيب أمل جونسون، ونداعب أحلامنا، فعلينا أن نأمل في أن يتمتع الحاسوب بكل مواصفات نظرائه من الحواسيب اللوحية العالمية الأخرى، إن لم يكن يفوقها، كي يحظى بثقة المشتري الدولي، قبل العربي. وما لم نفِ بذلك، فربما تتحقق نبؤة جونسون، ونستمر، كما نحن عليه اليوم «أقل أهمية مما كنا عليه في السابق».