الرأي

الإجهاش بالضحك.. حتى لا يتحول الكاتب إلى ندابة مدفوعة الأجر! «2»

الإجهاش بالضحك.. حتى لا يتحول الكاتب إلى ندابة مدفوعة الأجر! «2»

قال: أنت وحسن المدني تتفرغان لانتقاد المعارضة في حين أنكما لا تنتقدان السلطة، وتكتفيان بالتطبيل لها، ولذلك لا يمكن أن يكون خطابكما متوازناً، وليس من حقكما والأمر على هذا النحو أن تتحدثا عن الأخلاق في السياسة، لأنه لا أخلاق فيها، فمن حق المعارضة أن تلعب في ساحتها بحسب مقتضى مصالحها بغض النظر عن القيم الأخلاقية التي تتشدقان بها باستمرار في انتقادكما للمعارضة...
قلت: هذا كلام يجعلني أكاد أجهش بالضحك، لولا أن ما فيه من سوء توصيف يجعلني إلى الإجهاش بالبكاء أقرب، فهو كلام يفتقر إلى الحد الأدنى من السياسة، فإذا كان الأمر -بحسب مرجعيتك أنه لا أخلاق في السياسة- فإنه لا سياسة بدون أخلاق من وجهة نظري، إلا سياسة الحشاشين وقطاع الطرق وباعة الأفيون، الأخلاق التي نقصدها، يا صاحب القضية، هي سياج القيم التي تشمل الصدق في القول والإخلاص في العمل، ورفض السب والشتم والتعيير والتهديد والوعيد والحط من قيمة الناس والطوائف، لأن جل ما كتبت -شخصياً- في سياق الأزمة تحديداً، كان في منتهى الموضوعية، يدعو إلى الحوار والجلوس إلى طاولته وإلى تعزيز التجربة الديمقراطية وتطويرها وإلى حق المعارضة في المعارضة وأنه لا ديمقراطية رشيدة بدون معارضة رشيدة ولا ديمقراطية حقيقية بدون مشاركة كاملة وبدون حرية في الرأي والمعتقد والتظاهر والتعبير والإعلام ودوران المعرفة دون قيود.
قد تكون اللغة التي نكتب بها “مؤدبة” تراعي مقتضى الحال ولا تتهور ولا تعتمد السباب والتسقيط واللعان مثلما تفعلون، ولكنها توصل الرسالة الهادئة التي تخدم هدف التقدم على طريق الديمقراطية والحرية والمساواة ولكن ضمن أفق وطني وإنساني خال من الحقد والسادية السياسية!.
أما قولك بأننا نطبل للسلطة وهي بصدد مواجهتكم في الشوارع فقول سخيف مهزوز لا يستقيم، لأنكم كنتم مع السلطة في المؤسسات تتحاورون وتمارسون دوراً في إدارة الدولة من داخل هذه المؤسسات ففضلتم فجأة الانتقال إلى الشارع، وعندما تكون في الشارع باستمرار فإنك لا تستطيع أن تؤمن السلمية بشكل دائم وكامل، فالشارع -بعكس المؤسسات مهما كانت قاصرة- يغري بالعنف ويستدعي معه العنف المضاد، وبالتالي لا تكفي هنا بضعة كلمات للتنديد بالعنف أو التبرؤ منه لإخلاء مسؤوليتكم من المسألة.
أما عن تهمة التطبيل فهي مدعاة للسخرية، فنحن لسنا طبالين مثلما تدعي، وإن كان بعض رفاقك من الصف الأول قد كانوا من أكثر الطبالين تطبيلاً عندما استدعت مصالحهم الضيقة ذلك- أقول ذلك دون نية للتعيير، فنحن نؤمن بقول الحق ولو كان موجعاً، ولكننا عندما نقوله نقوله بأدب وبمحبة، وحتى ما نكتبه بشأن سقطاتكم أو نقوله لكم مباشرة -وجهاً لوجه دون خوف أو وجل أو مجاملة وفي جميع الأوقات وليس في الوقت المناسب مثلما تفعلون- نقوله حتى ونحن في موكب عزاء أو في مقهى على ناصية الشارع أو في ندوة علنية مفتوحة، نقوله بمحبة لكم، وبأنكم على طريق الخطأ سائرون رغم وجاهة بعض مطالبكم التي لا يشاطركم فيها المواطنون فحسب، بل تؤيدها السلطة نفسها -نحن- يا صديقي لا نطبل ولا نزمر لأننا لا نبحث عن مغنم أو مصلحة خاصة، لأن مصلحتنا كلها في أن ينجح هذا البلد وأن يعيش أهله بسلام ووئام وأن يتقدم على طريق الحداثة والحرية والديمقراطية والتنمية والتضامن ليكون جزءاً ناهضاً حياً حراً متقدماً من أمة العرب، لسنا طبالين يا صديقي ولا نتبع الهوى ولا شك أن الطبالين الحقيقيين لا ينتظرون من القراء ولا من المجتمع احتراماً ولا من التاريخ تقديراً، خاصة إذا كانوا عراة من قيم الصدق، يبيعون الكلام في سوق البورصة- حيث يعلمون أنهم كائنات منبوذة، ولكنهم راضون، ولكن إذا كان المدح مرادفاً للحقيقة، ومطابقاً للواقع، أو مدافعاً عن إنجاز عظيم فإنه “تطبيل مطلوب”، بل هو جزء من مقاومة الفساد بإبراز الإنجاز والإشادة بالشرف والإبداع، وإلا فإن الصحافي وقتها يتحول إلى مجرد (ندابة) مدفوعة الأجر، فالصحافة رسالة الحرية ورسالة الأمل، وإذا ما أراد الحزبي أن يكتب فليكتب بصفته حزبياً (هكذا يجب أن يقدم نفسه صراحة)، لكن يبقى سؤال مهم: ماذا عن طبالي الأحزاب والطوائف والجمعيات الذين يقدسون الأفكار والأشخاص ويهزون الرؤوس في حضرتهم بالسمع والطاعة؟ وماذا عن الذين يخلطون خلطاً ويخبطون خبطاً عندما يكتبون بأقلامهم بين كونهم يمارسون عملاً صحافياً مهنياً، وبين كونهم يطبلون لذواتهم الحزبية ولجمعياتهم السياسية أو الطائفية، فيركبون الصحافة جسراً للعبور إلى الجمهور ليس بمهنية الصحافي، ولكن بأيديولوجية الحزبي؟