الرأي

لا وقت للاغتسال من الفوضى

لا وقت للاغتسال من الفوضى

قال: ‘’نسأل الله حسن العاقبة، علامات القيامة أبصرتها في الطريق الفاصلة بين البحر والبر.. دخان وصرير وصفيح!! لقد تركت صاحب المذياع هذا الصباح يعد للمارشات والأناشيد، نفض الغبار عن الشريط “والله زمان’’.
قالت: بوابة الجحيم انفتحت.. ودلفت منها الأبالسة منذ 30 عاماً.. واليوم ضاق بنا الفضاء.. ولم نعد نفرق بين الغروب والشروق..فلم القلق والعويل؟وهل في الحيرة جديد؟
قال: ‘’الضفادع نما لها ريش واستحالت بجعات متوحشات.. والقبرة طاب لها العيش في الخلاء.. تبيض وتفرخ بين حبات الرمال الدافئة، وأنا وأنت نغرد خارج السرب نبيع الريح لأهل المراكب!..’’.
قالت “هذا وقت للفوضى أغلقوا المذياع ولا تدعوا صاحبه يكذب.. يلفق الأخبار أغلقوا المذياع.. سئمنا المارشات القديمة.. الغربان لا تجيد الرقص مع الآلهة’’.
قال: “الدنيا تمشي بالمقلوب وأنا أرى شيئاً على الحائط مكتوب: دنيا متكالبة ووقت كلب، ولا غالب إلا الله والشعب العربي من حديد.. إنه غروب الآلهة.. لا وقت للاغتسال من الفوضى”.
قالت “القرن المنقضي كان مقبرة.. ففيه سقط أكبر عدد من الجثث.. لا فلسفة ولا مذياع.. بونابرت رحل بعد أن أبلغ الرسالة.. والفرنسيون ما زالوا يذوبون رومانسية.. والأمريكان يبيعون “الديمكراتية” بالجملة والتقسيط، يخيطون لنا ما يناسب مقاماتنا، المهم هو أن تمر أساطيلهم وأساطيرهم فوق رؤوسنا، وتباً لك يا سيف العرب”!
قال: “بحيرة لامارتين لم يكدر صفوها العسكر.. التاريخ مقبرة كبيرة.. وهذا القرن الجديد بدا يعلن حروبه الجديدة، ويلعن السيادة والأوطان ويعتبرها مفاهيم عتيقة، الجواسيس والعملاء الذين كانوا كائنات بغيضة، أصبحوا في قاموس المعاهد الأمريكية الجديدة دعاة ديمقراطية، القرن الجديد يبني صوابه في العراق وأفغانستان وروندا ودارفور وليبيا وسوريا، وإلى حد ما في جورجيا الجديدة المتعلقة بأهداب الغرب.. وأنت تقرئين المكتوب:
«لا غالب إلا الله وملعون كل خائن وعميل، والشعب العربي من حديد”!!
قالت: “هل كان ستالين أفضل من هتلر.. ألم يكن أكثر وحشية منه؟
قال: “عبدالناصر كان رومانسياً على طريقة أدباء المهجر.. عادى الكبار وأحب نهرو وتيتو، ونكروما.. خياله كان ربيعياً وعندما قضى نحبه ازداد الناس له حباً، ولكن عندما قضى ستالين لم يكن أحد يدري أن الشيوعية قد ماتت من الداخل قبل موته بعشرين عاماً.. وعندما سقط المهرج خروتشوف كان جيلاً من زعماء الكاوتشوك قد بدأ يتقاطر على الكراسي الأمامية من المسرح.. وبدأت القيلولة الأيدلوجية تطول! ولحظة سقوط بريجنيف - الخشبة - في الغيبوبة كان يغتسل بالمخمل الأحمر، شيء ما يشبه البحار الدافئة.. وهكذا بدأ الرجال يخرجون من القبور ويوضعون على المقاعد الخشبية العالية، فيما كان أبناء دالاس، ينتخبون رجلاً يتوعد العالم بأنه سيضع يده على هواء المياه العالية.
قالت: الروس ما عادوا يتدخلون في الشؤون الداخلية لرومانيا.. تعامل تلفزيونهم برقة رومانسية مع الدبابات الصينية وهي تحصد الشباب في ساحة تيان إن مان. وفيما كان الرفيق دينج يخرج من غيبوبته العاشرة في عشرة التسعين كان الرفيق الجديد في موسكو يرسل دبابته إلى فتنة اللاذقية.. والسيد بوتن أصبح يحتمل وقاحة التحرش الأمريكي بالحدود مع جورجيا.. ولكنه لا يحتمل سقوط حلب بين أيدي “الأوباش” كما تقول صحفهم!!!!..”.
****
كان صاحب المذياع يغني: آه أيتها الحرب.. وجدت أخيراً طريق الصواب ‘’في مطلع العام الجديد يداي حتماً ستمتلئان بالنقود وسأشتري هذا الحذاء وبائعة السلال والعطور كالخنفساء تدب: قبرتي العزيزة يا سدوم، ما حك جلدك مثل ظفرك والطريق إلى الجحيم من جنة الفردوس أقرب والذباب”!! آه يا لرحيل السياب!! أواه يا بغداد العروبة، وفي القلب غصة موجعة!!
توقفت المارشات وأناشيد المذياع ليعلن المذيع عن الحرب الجديدة وعن مواعيد صفارات الإنذار، وكان الطفل في عمر الطيور يعبر طريقاً بنعل من النايلون، يمسح دمعة شتوية عند الدوارات وعند خطوط المشاة، يدفع العربة الفارغة.. ويلعن غروب الشمس، ويعلن: قبرتي العزيزة يا سدوم!!
أعلن المذيع: “كل عام ومساكن الفقراء أكثر برداً وازدحاماً.. كل عام وحذاء البلاستيك في القدم العربي الصغير يغني أغنية الغضب الكامن في البرد، كل عام وقدم العصفور أكثر جروحاً يدخل من بين ثناياها الماء والوحل.. وتباً لك يا سيف العرب المغمد..”.
عند الفجر أعلن المذياع من شرفته العالية:
‘’صباح الخير أيتها الحرب.. الدنيا رحبت ولم أعد أحلم بمقبرة نظيفة كما كان الحال قبل هذا الإعلان، في الحياة فسحة جديدة.. عشب أخضر.. غيوم تسير عكس التيار، الاغتسال من الفوضى باب ممكن، مطر شتوي، رذاذ يلفح الأجساد.. ضباب أبدي.. لم أعد معلقاً بين السماء والأرض.. الدنيا تمشي بالمطلوب وأرى شيئاً على الحائط مكتوباً: “ لا غالب إلا اللهّّ”.