الرأي

الناتو في الخليج.. خلق الانطباع بالأمن ولم يحققه

الناتو في الخليج.. خلق الانطباع بالأمن ولم يحققه

الرؤية الاستراتيجية هي مخرجات عصف ذهني لتحقيق أهداف يصعب تحقيقها راهناً عبر خطوات زمنية مرنة. ومنذ عقدين لم يخف حلف شمال الأطلسي في رؤيته إن دول الخليج ودول الناتو تواجه الأخطار والتهديدات نفسها التي تؤثر في أمن الجانبين مما أوجب التقرب بين الطرفين عبر مبادرة إسطنبول 2004م، حيث كان الخليج ضمن رؤية الحلف الاستراتيجية كلما تجددت. ‏
وفي 4 يوليو 2012م اهتمت وسائل الإعلام بتصريح السكرتير العام لحلف الناتو أندرس فوغ راسمسون من أن الحلف لا ينوي التدخل عسكرياً في سوريا ولا يمتلك أي خطط معدة للقيام بذلك. و بأن تضامن الحلف مع تركيا كان وراء ندم الأسد على استهداف قواته للطائرة التركية. لكن ما لفت نظرنا هو تراجع الخليج العربي في سلم أولويات الناتو في خطاب الرؤية الاستراتيجية المستقبلية للحلف التي ألقاها راسمسون ذلك النهار بالمعهد الملكي للشؤون الدولية “Chatham House” في لندن .
تقوم الرؤية المستقبلية للناتو كما قال سكرتيره العام على (تحالف مدرك الوجود ومترابط وقادر دولياً)، فالناتو القوي مصدر ثقة للأمن العالمي. وقد حدد راسمسون الأخطار والتهديدات المستقبلية التي تواجه الحلف بالإرهاب والقرصنة وتهريب الأسلحة. كما حدد في تلك الرؤية الاستراتيجية مجالات التعاون بين الحلف وشركائه بالتدريب والتعليم العسكري والدفاع الذكي في مجال أمن الإنترنت.أما سبل تحقيق تلك الرؤية فتتم من خلال تقوية الروابط مع الشركاء، وبأخذ الأمن من منظور عالمي، وبالعمل مع دول ومنظمات مثل روسيا والصين والاتحاد الاوروبي وأفغانستان وأستراليا. ومن ذلك نرى ان تحديد الاطراف التي ستشارك في تحقيق الرؤية الجديدة لحلف شمال الأطلسي قد خلت من ذكر دول الخليج العربي كشريك للحلف.
إن إدراك ما يجري في المنطقة من عدم استقرار لم يكن غائباً عن سكرتير حلف الناتو بدليل تطرقه للقضية السورية، فهل حجبت وسائل الإعلام عنه صوت طبول الحرب التي بدأ بقرعها قائد القوة البحرية للحرس الثوري بتهديده نشر صواريخ مضادة للرادار في الخليج، تبعها مجلس الشعب الإيراني بإعداد مشروع لإغلاق المضيق، ثم إرسال أمريكا تعزيزات لمنع إغلاق هرمز! هذا التصعيد الذي لم يلفت نظر حلف الناتو يوجب طرح عدد من النقاط حول تغيرات سياسة الناتو في الخليج، وحدود تأثير ذلك فى أمنه مستقبلاً.
1- تضمنت الرؤية ما يمكن اعتباره تراجعاً غير مبرر لدول الخليج في سلم أولويات الحلف، رغم أن التطرف والإرهاب والجريمة عبر الحدود ما زالت الهم المشترك بين الطرفين.
2- إن لم يكن غياب الخليج عن رؤية الناتو أمراً مقصوداً في هذا الوقت العصيب فإن غيابه يعد تقصيراً من جانب الحلف للوفاء بالتزاماته تجاه دول المجلس بناء على مبادرة إسطنبول، حيث لا زالت إيران تلعب في مياه الخليج وكأنه بحيرة فارسية فتنصب شبكة في الكويت وترسل صيادي الخراب للبحرين وتلقي بمراسيها في الجزر الإماراتية وكل هذا حدث بعد توقيع المبادرة 2004م .
3- مع إدراكنا أن الحلف يريد بناء علاقات لا تنتهي بالعضوية‏، إلا أنه قد تكشف في الرؤية الجديدة أن الناتو يسعي لتغيير نهجه ليقوم بدور سياسي بديل لمجلس الأمن، وربما لربط دول تتحقق بجمعها مبادرة الشرق الأوسط الكبير والمشاريع الغربية الأخرى التي تخدم الصهاينة.
4- مع توسع دوره السياسي -الذي ليس ضرورة ملحة لنا- بناء على طلب قادته في قمة شيكاغو بتعزيز الشراكة الاستراتيجية لدعم العمليات على ثلاثة محاور السياسي والمالي والعملياتي، ومع تراجع دوره العسكري وحصره خليجياً في تبادل المعلومات، وملاءمة عتاد الدفاع، ومهمات حفظ السلام، والتدريب نفقد جدوى الشراكة معه.
5- لقد نظرت دول الخليج والناتو لإسطنبول كجسر متين يمكن الثقة به للتواصل بين الطرفين لكن الربيع العربي كشف تذبذب الدور التركي بعد تراجعها عن خلق منطقة آمنة خوفاً من صاروخ سوري واحد يدمر السياحة هناك.
لقد تبنى الناتو منذ عقدين استراتيجية الدفاع عن مصالحه -لاعن أراضيه فحسب- بخطط العمليات الإجهاضية للخطر في مهده بقوة عسكرية سريعة الحركة، وكان بإمكاننا في الخليج جذب الناتو ليكون القوة الرئيسة المسؤولة عن هذا النوع من الترتيبات الأمنية. لكن مفاوضوه رفضوا التعامل مع دول الخليج مجتمعة، رغم الاجتماعات العديدة بين مجلس التعاون والحلف فلم تشمل ترتيبات إسطنبول 2004م السعودية وعمان، بينما انضمت الكويت في ديسمبر 2004م وقطر والبحرين في فبراير 2005م، والإمارات في يونيو من العام نفسه. والمأخذ هنا ليس على حلف الناتو فقد حقق مفاوضوه الكسب الذي يريدونه، بل المأخذ يقع على المستشارين الاستراتيجيين في الأمانة العامة لمجلس التعاون الذين أخذهم مستشارو الناتو أسرى في غارة واحدة دون أن ينجحوا في إجبارهم على التعامل مع المجلس ككتلة واحدة.
^ المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج