الرأي

لماذا أعلنت طهران عن وجودها العسكري في سوريا؟!

لماذا أعلنت طهران عن وجودها العسكري في سوريا؟!

اعتبر البعض في الخليج العربي أن إقرار القائد الأعلى للحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد علي جعفري أن عناصر من “قوة القدس” التابعة للحرس الثوري موجودون في سوريا صدمة وإهانة مفتوحة جعلت الخبر يتصدر نشرات يوم الأحد الماضي. لكننا لم نكن ممن كان ينتظر مثل هذا الإقرار. فقد سبق أن كتبنا في يونيو الماضي تحت عنوان “صراع إيراني - خليجي في سوريا”؛ أن نجاحات الجيش الحر انحسرت وكثرت انسحاباته مؤخراً لأنه لم يعد قادراً على استغلال ثغرات الجيش النظامي، لأنه ببساطة لم يعد يواجهه؛ بل يواجه قوات الحرس الثوري الإيراني وقوات النخبة في حزب الله اللبناني وفرق الموت العراقية كجماعة “اليوم الموعود” وجماعة “عصائب أهل الحق” وقوات “حزب الله العراقي” المدعومين جميعاً من إيران.
كما سبق أن نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية في مايو الماضي عن أحد المواقع الرسمية الإيرانية اعتراف نائب قائد فيلق القدس إسماعيل كوان بوقوفهم لجانب دمشق مادياً وجسدياً، وأشارت الصحيفة الصهيونية أن الموقع الإخباري الإيراني أزال المقابلة لخطورتها.
كما نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” في أغسطس الماضي أن إيران أرسلت قادة من النخبة والمئات من الجنود إلى سوريا لدعم بشار الأسد، ونقلت عن العميد سالار أبنوش، من الحرس الثوري، أن قرار إرسال تلك القوة العسكرية أتى بعد هجمات الثوار على حلب والانفجار الذي أودى بحياة كبار القادة السوريين.
لقد كانت أغلب العواصم المشاركة في الأزمة السورية في الشرق والغرب تعتقد أن لإيران قوات داخل سوريا، لكن طهران كانت تنفي ذلك، ثم جاء الإقرار مؤخراً، فما هي دوافعه وما هي الغايات الإيرانية من إعلانه؟
1- تحاول طهران أن توهم العالم أنها لاعب كبير قادر على العمل على كل أنواع الفرضيات، كما فعلت في ملفها النووي، وأن الإقرار بوجودها العسكري في سوريا لن تكون له تبعات تثقل كاهلها، فقد تجاوزت مهارة خلق الأزمات إلى مهارة خلق الأزمات وإدارتها كقوة عظمى.
2- نجح الجيش الحر في أَسر العديد من منتسبي القوات الإيرانية، ولن تستطيع طهران المطالبة بأَسير أو حتى بجثته طالما أنها تنكر وجوده أو تدّعي أن الأسرى من المتقاعدين، رغم أن أغلبهم في ريعان الشباب.
3- تؤمن طهران أن سقوط نظام الأسد مسألة وقت؛ وعليه فقد بدأت في حفر أساسات قاعدة لحزب الله السوري الموالي لها، والذي سيخوض صراع اقتطاع معسكر له في خارطة الفوضى العسكرية التي ستعقب سقوط بشار.
4- أفادت معلومات مجلة “دير شبيغل” الألمانية أن ضباطاً إيرانيين كانوا ضمن القوة العسكرية السورية التي قامت بتجريب أسلحة كيماوية نهاية أغسطس الماضي في الصحراء بالقرب من مدينة السفيرة شرقي حلب، والتي صدر على إثرها تهديد الرئيس الأمريكي أوباما الشديد للأسد، وما الإعلان بتواجد عسكر إيرانيين تحت مظلة التحالف العسكري مع دمشق ضمن اتفاقية دفاع مشترك إلا لتجنيبهم تهمة المرتزقة أو محاكمتهم كمجرمي حرب لو ألقي القبض عليهم.
5- ترى جمهورية إيران الإسلامية نفسها رمزاً للمقاومة والممانعة وتحاول أن تحافظ على هذه الصورة في شوارع طهران أكثر من غيرها، فهي المدافع بالمدفع وليس اللسان فقط عن الأمة الإسلامية في العراق وأفغانستـان والسودان وسوريا.
6- لقد أصبحت سوريا ساحة للصراعات الإقليمية؛ فإذا كان من حق الخليجيين وأمريكا وتركيا فرض وجودهم على أرض سوريا وتزويد الموالين لهم بالسلاح والمال، فمن حق إيران أن تعمل في نفس السياق بعلانية.
7- شعرت طهران أنها قد غاصت حتى عنقها في سوريا، وأن الآن وليس غداً هو أفضل فرصة للخروج من المستنقع السوري، ولكون اجتياز المستنقع يحتاج لقارب قوي فقد صنعته من عناصر قوة القدس التابعة للحرس الثوري الذي سيخرجها بجعل غرقها في سجلات مناوئيها عالي الكلفة.
8- في كلمته أمام قمة دول عدم الانحياز دعا الرئيس المصري محمد مرسي لحوار عربي إيراني تركي بشأن الأزمة لخلق ظروف انتقال آمن للسلطة في سوريا، فرحبت الدول المعنية بذلك، ومن ضمنهم إيران التي بدأت في خلق موقف تفاوضي متقدم عبر قوة عسكرية يدعمها نظام الأسد نفسه.
9- قد يكون في إقرار طهران بتواجدها على الأرض السورية كذب وتدليس، وعليه ستساوم على أن تسمح بسقوط الأسد وأن تسحب قواتها الكبيرة والفاعلة التي أوهمت العالم بوجودها نظير تغاضي الغرب عن مشروعها النووي.
إن التدخل العسكري الإيراني الذي اعترف به القائد الأعلى للحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد علي جعفري هو انتهاك لسيادة سوريا، ويعطي المجلس الوطني السوري المعارض والجيش الحر والدول الداعمة للشعب السوري المبرر لطلب التدخل العسكري الدولي، كما إن التواجد العسكري الإيراني دافع لدول الخليج لزيادة مددها المادي والمعنوي للجيش الحر الذي مزق قناع التواجد الإيراني، لأن البديل لطلب التدخل الدولي والمدد العسكري هو زيادة حجم التواجد الإيراني، فقد اتهمت واشنطن حكومة المالكي قبل أسابيع بتسهيل نقل السلاح لدمشق من خلال فتحها المجال الجوي العراقي أمام الطائرات الإيرانية.
المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج