الرأي

حول مأزق الإعلام الرسمي

حول مأزق الإعلام الرسمي






تجاوز دور الإعلام الفضائي والإلكتروني ما درجنا على توصيفه بالثورة الإعلامية والاتصالية بمعناها التقني والعولمي، إلى مرحلة التأثير الحيوي في الحياة السياسية والاجتماعية، بل وتحول الإعلام الجديد إلى قوة فاعلة في مجال التغيير السياسي.
فقد بدأت تتعزز فكرة التقاطع بين التكنولوجيات الإعلامية الحديثة والسياسات الحكومية، وذلك بهدف إضعاف رقابة الدولة على المعلومات ودورانها من ناحية، وإرساء النموذج الليبرالي التنافسي في الاقتصاد والسياسة من ناحية ثانية، باستخدام التقنيات والوسائل الاتصالية والإعلامية الجديدة في التعبير الجماهيري الجديد، وفي النضال السياسي والثقافي وفي تنظيم الاحتجاجات ضد السياسات الحكومية، بل وتحوَّل هذا الإعلام الجديد في بعض الأحيان إلى إعلام بديل -ورغم عيوبه العديدة- فإن الجمهور يتواصل من خلاله وينتظم سياسياً.
فإذا كانت الثورة الاتصالية قد ساعدت في حل العديد من المشكلات التي يمكن حلّها في نطاق الأولويات الكبرى مثل التعليم والصحة والنظام القضائي وخدمات البريد، أو فيما بات يسمى اليوم بالحكومة الإلكترونية، فإن السنوات الأخيرة قد شهدت تسارعاً مذهلاً في حركة الاتصالات وشيوع تطبيقات شبكة الإنترنت كوسيلة اتصال جماهيري وضعت أمام مستخدميها عدداً ضخماً ومتنامياً من مصادر الأخبار والمعلومات المتحررة من قيود الزمان والمكان، ومن سلطة الرقابة الحكومية، حيث أصبحت الإنترنت وسيلة إعلامية لإثارة الجدل والحوار الديمقراطي، وأضافت أبعاداً إضافية للاتصال مقارنة بالوسائل التقليدية الأخرى منها: الطبيعة التفاعلية وصعوبة السيطرة والرقابة عليها، واتساع نطاق القاعدة الاجتماعية المستخدمة لها، تحول الجمهور المتلقي فيها من مجرد مستخدم ومستهلك مجهول للرسالة الإعلامية إلى مشارك فاعل في تشكيلها.
كما أنه من الواضح في سياق التجربة العالمية أو العربية تنامي التأثير الإيجابي لانتشار واتساع تزايد قاعدة مستخدمي الإنترنت على عملية التحول الديمقراطي، نظراً لتزايد القاعدة الاجتماعية المستخدمة للانترنت وتوسيع نطاق الوصول إليها، لتشمل قطاعات وفئات اجتماعية عريضة، حيث بدأت تعكس تغيراً ملموساً في طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع، وبين النخبة والجماهير، فإذا كان بإمكان الدولة السيطرة على الوسائل الإعلامية التي بحوزتها، فإن هذه الوسائل ذاتها لم تعد الجماهير تعبأ بها، وأصبح تأثيرها محدوداً مع وجود الإعلام البديل بإمكانياته التفاعلية وبقدرته على التأثير. وإذا أصبح الإعلام الحكومي غير مؤثر فتلك مشكلة كبيرة وإيذان بضعف سيطرة الدولة على جمهور المواطنين، وهذا ما رأيناه في الحالتين التونسية والمصرية مؤخراً، حيث كان الإعلام الحكومي يغرد خارج السرب، في حين كان الجمهور يتواصل وينظم صفوفه عبر الفيس بوك.
إن إسهام وسائل الإعلام الجديدة في عملية الإصلاح السياسي والديمقراطي بات أمراً واضحاً وحاسماً، ولكنه يعتمد على شكل ووظيفة تلك الوسائل في المجتمع وحجم الحريات، وتعدد الآراء والاتجاهات، إلى جانب طبيعة العوامل الثقافية والاجتماعية والسياسية المتأصلة في المجتمع، فطبيعة ودور وسائل الإعلام في تدعيم الديمقراطية، وتعزيز قيم المشاركة السياسية وصنع القرار السياسي، يرتبط بفلسفة النظام السياسي الذي تعمل في ظله، ودرجة الحرية التي تتمتع بها داخل البناء الاجتماعي، فوسائل الإعلام الحرة تلعب دوراً جوهرياً في تعزيز الحكم الديمقراطي، باعتبارها محفلاً وطنياً يمنح صوتاً لقطاعات المجتمع المختلفة، ويتيح النقاش من زاوية جميع وجهات النظر، وكعنصر تعبئة ييسر المشاركة المدنية بين جميع قطاعات المجتمع. ومن هذا المنطلق يحتاج الإعلام الحكومي إلى مراجعة جذرية والخروج من وهم القناعة الراسخة بقدرته على التأثير بصورته الحالية التقليدية والفجة في تواصله مع جمهور ابتعد عنه منذ سنوات ولم يعد مقتنعا به.
ولا شك أن التحول الديمقراطي الذي تعيشه البحرين منذ عدة سنوات يجب أن يتزامن مع إصلاح وسائل الإعلام الرسمية وتطويرها (تقنياً- تشريعياً- مهنياً) على نحو يستوعب التحولات التقنية والتواصلية الجديدة، لتكون هناك فرص متساوية للتأثير، بمعنى أن الإعلام الرسمي يجب أن يستوعب وسائل التواصل الجديدة ويكون له نصيب منها، ويقبل بالتحدي وبتبادل الأدوار، وعدم الاحتكار، مع تعزيز قدرته على أن يكون مصدر حماية للمجتمع الديمقراطي التعددي وربطه بالمصالح الوطنية.