الرأي

الحـــــــــوار ودوره في تفعيل الممارسة الديمقراطية

الحـــــــــوار ودوره في تفعيل الممارسة الديمقراطية

الثقافة الإنسانية عالم لا حدود له، الثقافة تتفرع وتتسع مساحة كلما زادت هذه التفرعات، وهي مشاعة للجميع وللراغبين في الاستزادة منها وليست حِكراً لأحد. ومن أجل تعزيز هذه الثقافة وتوصيلها للآخر دأب معهد البحرين للتنمية السياسية على تنظيم عدد من الورش الثقافية في التنويع السياسي والديمقراطي والإنساني. وكان هناك موعد لنخبة من السادة والسيدات مع المعهد في ورشته المعنونة “ثقافة الحوار وقبول الآخر”، تحدث فيها الدكتور ناظم بركات من المملكة الأردنية الهاشمية. وهذا الموضوع بحره غزير وذو أبعاد معرفية وثقافية وإنسانية واجتماعية.
بداية نريد أن نتعرف على ما هو الحوار؟ ولماذا يتم التحاور؟ وما هي مبادئه؟ وما هي التزاماته؟ نستطيع أن نقول إن الحوار هو فن وممارسة، فن التوصل إلى الممكن من الرضا بين أطراف الحوار، وممارسة نتائجه بترجمتها على أرض الواقع بتحويل توصياته ونتائجه إلى أفعال وممارسات. ويكون بدون سيطرة طرف على آخر من أجل التوصل إلى نتيجة تخدم المجتمع أو القضية التي انعقد من أجلها الحوار.
والحوار ليس ترفاً سياسياً بل هو حاجة إنسانية ووطنية من أجل تحقيق الاتفاق الذي يصبو إليه المتحاورون، فالحوار هو مناقشة من أجل الاتفاق وليس صراعاً، ومن أجل التفاهم لا تعميق التخاصم، وتدريب الذات الإنسانية على القبول بالآخر لا تهميشه، واعتراف بوجوده لا بإقصائه، تعاون واتفاق لا انتصار وهزيمة. فهو إذن يُجسد شخصية المتحاور وينميها، ويمثل التقاءً بين الأفكار وتلاقحاً بدون أن تتلاطم وتتشتت، كما إن الحوار يُجسد الممارسة الديمقراطية مع الذات أولاً ومع الآخر ثانياً، ويُعلمنا كيف نستمع إلى الآخر وكيف نتفق معه بدون أية تنازلات أو مكاسب شخصية.
إن الحوار الإنساني ليس بشيء جديد بل هو منهج إلهي، ففي القرآن الكريم الكثير من البيانات الحوارية، ومنها حوار الله سبحانه وتعالى مع الملائكة منذُ بدء مشيئته في جعل الإنسان خليفة على الأرض، حواره سبحانه وتعالى مع الأنبياء عليهم السلام الذين أرسلهم لهداية البشر، وحواره سبحانه وتعالى مع إبليس الذي أدعى بأنه أفضل من الإنسان المخلوق من الطين، وحواره تبارك وتعالى مع الحُكام الذين طغوا في الأرض وعاثوا فيها فساداً. فكل نموذج من هذه الحوارات يمثل مدارس يتعلم منها الإنسان مبادئ الحوار وأساسياته وأهدافه، لأنه يُمثل أعلى المهارات الاجتماعية التي يجب أن يتسلح بها الإنسان في حياته، والأمة التي تهتم بالحوار هي أمة ناهضة، وكلما ابتعدت عنه انتشرت فيها الأمراض السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ولأنه أيضاً وسيلة ديمقراطية لطرح الآراء ووجهات النظر بعيداً عن حوار التعجيز أو محاولة التفوق على الآخر باستخدام وسائل سلبية لا تمت إلى الحوار الهادف أو بالتسلط عليه، بل يجب أن يكون حواراً إيجابياً ولا يتفق مع قول فرعون (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد).
وحتى يكون الحوار الإيجابي متفقاً مع الممارسة الديمقراطية يجب:
- أن يكون الحوار موضوعياً ومحدداً بموضوع الحوار ذاته، وعدم الانشغال بغيره من المواضيع.
- أن يناقش المتحاورون الوقائع بموضوعيتها بدون القفز على تأويلها فردياً.
- أن يستعد المتحاورون استعداداً نفسياً وجسدياً للدخول في الحوار، والتحلي بصفات المحاور الناجح.
- أن يطمئن كل طرف إلى الآخر، وإبعاد سوء الظن بينهما، والابتعاد عن الأهداف الآنية والشخصية.
- أن يتجنب المتحاورون الخداع والكذب، ويكونوا متكافئين بدون استعلاء أحدهم على الآخر.
- أن يستمع كل متحاور للآخر استماعاً جيداً، وأن يكون أحدهما متحدثاً والآخر مستمعاً.
- أن يقرب الحوار بين المتحاورين ويقلل كثيراً من مساحة الخلاف إن لم يستطع ردمها.
- أن يبتعد المتحاور عن التحدث عن نفسه ويتمسك بموضوع الحوار.
- أن يستخدم المتحاورون أسلوباً بسيطاً في الحوار، مع عدم الإطالة أو التكرار.
- أن يستعين المتحاورون بالشواهد الرقمية أو الصور أو الأحداث المرتبطة بموضوع الحوار.
- أن يلتزم المتحاورون بنتيجة الحوار.
- أن تتحقق لقاءات مثمرة أخرى للمتحاورين ليكون ذلك مبدأ للتواصل بينهم.
وحتى يتحقق أهداف الحوار لكونه وسيلة فضلى من وسائل الاتصال الفعالة بين البشر لابد أن يتمتع المتحاورون بمهارات معينة، وبمبادئ وآداب حوارية ترسم الخطوط الأساسية للحوار التي تضمن تقريب وجهات النظر بينهم وتحقيق الأهداف المجتمعية من الحوار. وهنا تكمن أهمية ثقافة الحوار التي يجب أن يتحلى بها الإنسان، لكون هذه الثقافة تهدف إلى تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة التي تؤدي إلى تلاقي الآراء وتبعد السلوكيات الخاطئة عند ممارسة الحوار، وتعمل على تحقيق التعايش فكرياً مع الآخر. والاعتناء بثقافة الحوار سلاح آخر يتمسك به المتحاور من أجل تجسيد شخصية الإنسان المنتمي لوطنه، والمحافظ على خيط التواصل مع مختلف أبناء الوطن، فالوطن هو للجميع، ولا يمكن أن يتعايش هؤلاء في محيط متسلط ومبغض بل في مناخ إيجابي ديمقراطي إنساني تحت ظل قيادة واحدة تنهض بهم وبوطنهم.