هل ينجح الإبراهيمي حيـــــث أخفـــق عنـــان؟
نـــوافــــذ
الأحد 19 / 08 / 2012
ربما يشكل السادس عشر من أغسطس 2012 يوماً مشهوداً في تاريخ الحضور الدبلوماسي العربي في العلاقات الدولية، إذا اعتبرنا تعيين السياسي الجزائري المخضرم الأخضر الإبراهيمي خلفاً للمندوب الدولي العربي للأزمة السورية كوفي عنان، ومن ثم اعترافاً بوصول هذا الأخير إلى طريق مسدود دفعه إلى رفع رايته البيضاء وتقديم استقالته من المهمة المكلف بها، كي يحل مكانه الإبراهيمي.
أول تساؤل يرد على ذهن من تابع الأزمة السورية، وفي خضم أحداثها مساعي كوفي عنان هو: هل سيكون الإبراهيمي أفضل حظاً من عنان، ومن ثم ينجح هو حيث أخفق من سبقه؟
عندما نطالع السيرة الذاتية للمندوبين: الإبراهيمي وعنان، سنكتشف أن الاختلافات بينهما تكاد لا تذكر. فقد بدأ الإبراهيمي رحلته الدبلوماسية في النصف الأول من عام 1954، عندما أوكلت له مهمة تمثيل جبهة التحرير الجزائرية، في جاكرتا، التي كانت -الجبهة- لاتزال حينها تواصل نضالها لإخراج المستعمر الفرنسي من الجزائر، ثم أصبح، في عام 1984 مسؤولاً سامياً للجامعة العربية، فمبعوثا للأمم المتحدة في لبنان في عام 1989، ويقال إن بصماته كانت واضحة، وشكلت أحد العوامل المهمة التي قادت إلى توقيع اتفاق الطائف الذي ساهم في نيل شبه إجماع على حل الأزمة اللبنانية. وكان الإبراهيمي أيضاً مبعوثاً دولياً لأفغانستان، وأخيراً أرسل للعراق بعد اجتياحه من قبل القوات الغربية في عام 2003. باختصار تقلد الإبراهيمي مجموعة من المناصب الدولية لحل الأزمات، وضعت بين يديه خبرة غنية في التعامل مع معضلات معقدة، لا تقل صعوبة عن الحالة السورية، ومن ثم فعلى المستوى الشخصي، يتمتع بكل المؤهلات الدبلوماسية التي تبيح له القبول بالمهمة، وبالتالي، وعلى المستوى الذاتي المحض، تبعث الأمل في إمكانية التوصل لحل الأزمة السورية، خاصة وأنه يتفوق على عنان بأصوله العربية التي تمكنه من التعاطي مع الأطراف العربية، والسير في دهاليزها، بمهارات أفضل.
بالمقابل نجد أن كوفي عنان، رغم استقالته، لم تكن تعوزه الخبرة والمهارات الذاتية، التي توثقها العديد من المصادر العالمية. فقد كان يشغل، قبل أن يعين مندوباً دولياً عربياً لحل المشكلة السورية، منصب الأمين العام للأمم المتحدة. وفي عام 1993، كان عنان يعمل كنائب الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام. وفي عام 1996 عمل في منصب نائب الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام، الذي تقلده «بعد شغله لمنصب المبعوث الخاص للأمين العام في يوغسلافيا ومنصب المبعوث الخاص لمنظمة حلف شمال الأطلسي «NATO» وذلك خلال الفترة التي أعقبت التوقيع على اتفاق دايتون «Dayton» للسلام». وصل عنان إلى كل تلك المناصب الدبلوماسية الدولية بعد تقلده مجموعة من الوظائف في الحقل الدبلوماسي العالمي، حيث «خدم كوفي عنان الأمم المتحدة في العديد من المناصب الأخرى في أماكن متعددة من العالم منها مصر، وأديس أبابا، ونيويورك مكرساً ما يقرب من 30 عاماً من عمره في خدمة المنظمة الدولية». وعلى المستوى العمل الدبلوماسي في المنطقة العربية، كان عنان، مندوب الأمين العام للأمم المتحدة للكويت في أعقاب الغزو العراقي لها في عام 1990. ويحفظ لعنان محاولته الجريئة حين وقف، عندما شغل منصب الأمين العام للأمم المتحدة وراء «خطة إصلاحية للأمم المتحدة « والتي تمت الموافقة عليها بواسطة الجمعية العامة في 1997.
كل تلك الإمكانات الذاتية لـ»كوفي عنان»، لم تكن كافية كي توصله إلى خط النهاية في سباق «الأزمة السورية»، التي يبدو أنه فضل عدم الاستمرار فيه، واختار الاستقالة، بعد أن أكد أن الحل ليس محصوراً في أطراف الصراع المحليين فحسب، بل يتجاوزه إلى الصراعات الدولية، التي ما لم يتم الاتفاق بين أطرافها، يبقى الأمل في إنهاء الأزمة ضعيفاً. ولم يكن ذلك بخاف على الإبراهيمي، الذي نقلت عنه وكالة «رويترز»، تردده «لعدة أيام في قبول العرض من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لشغل المنصب، لا يريد أن يظهر بصفته مجرد بديل لعنان لكنه يريد تفويضاً معدلاً ولقباً جديداً».
إذا تجاوزنا العناصر الذاتية للمندوبين عنان والإبراهيمي، ووصلنا إلى «الحالة الذاتية للأزمة السورية»، نجد أن انطلاقة الإبراهيمي أسوأ، في حقيقة الأمر، من بداية عنان، حيث لاتزال الأطراف السورية والدولية تتمترس وراء مواقفها التي ترفض التنازل عنها، وهو أمر لم يكن بهذه الشدة من الوضوح، عندما تسلم عنان مهمته. هذا الوضوح في المواقف يضاعف من تعقيد الأزمة، في وجه الإبراهيمي، ولا يعمل لصالح حلها، إذ لا يبدو في الأفق رغبة أي من الأطراف التقدم خطوة للأمام على طريق حل وسط.
فعلى المستوى الداخلي السوري المحض، يصر الرئيس بشار على بقائه في السلطة، رغم كل الرفض الشعبي له، والانشقاقات المتلاحقة التي وصلت إلى أعلى الدوائر فيها، ولا يعد بأكثر من إصلاحات طفيفة، فيما لو وافقت الأطراف المعارضة بمختلف تلاوينها، على وقف الخيار العسكري، والجلوس إلى طاولة المفاوضات. مقابل ذلك، ترفض تلك الأطراف أي حل وسط، وتصر على موقفها المطالب بإسقاط النظام. من هنا لا تلوح في الأفق بارقة أمل توحي بحل توفيقي بين طرفي النزاع المحليين.
المشهد ذاته يتكرر عند تشخيص المواقف الدولية التي لم، ولا يبدو أن هناك نية لدى أي منها، يتزحزح الطرفان عن مواقفهما من «الحالة السورية»، فبينما تصر الولايات المتحدة، ومن ورائها كتلة «الناتو»، على أنه ليس هناك حل قبل إزاحة الأسد، وحينها يمكن التفكير في صيغ أخرى، نجد أن المحور الروسي - الصيني، يتمسك بموقفه المنطلق من مشاركة الأسد في أية صيغة مستقبلية لترتيب البيت السوري، دون أن يقود ذلك إلى إزاحة من كرسي الحكم.
في ضوء كل ذلك، يبدو أن الإبراهيمي سوف ينفذ مهمته في طريق يشبه حقل ألغام محلية ودولية زرعتها فيها بشكل مستقل أطراف الصراع السورية والعالمية، بل وحتى العربية، ومن ثم فهناك بصيص أمل ضعيف في أن ينجح الإبراهيمي العربي الأصول حيث أخفق نظيره الدولي كوفي عنان، ما لم يحدث انقلاب حقيقي في موازين القوى المتصارعة مصدره الأساسي إقدام أحد المحورين الدوليين بخطوة جريئة، ربما لا تكون محسوبة العواقب، يغلب أحد طرفي الصراع المحليين على الآخر. ولذا فمن غير المستبعد أن نشهد، في زمن يصعب تحديده، حالة قريبة جداً من تلك التي عرفناها في العراق، عندما قررت الولايات المتحدة، الزج بقواتها، والتدخل بشكل سافر في العراق، وحسمت الصراع بعد أن أطاحت بصدام. والعكس صحيح أيضاً، فمن الخطأ إسقاط تدخل روسي، شبيه بذلك الذي قامت به موسكو في أفغانستان.
الأبواب مفتوحة أمام كلا السيناريوهين، لكن ما هو أهم منهما هو النتائج التي ستتمخض عن أي منهما. فليست عراق اليوم بأفضل من عراق صدام، وليست أفغانستان الحاضر بأحسن من تلك التي أطاحت بها موسكو.
أول تساؤل يرد على ذهن من تابع الأزمة السورية، وفي خضم أحداثها مساعي كوفي عنان هو: هل سيكون الإبراهيمي أفضل حظاً من عنان، ومن ثم ينجح هو حيث أخفق من سبقه؟
عندما نطالع السيرة الذاتية للمندوبين: الإبراهيمي وعنان، سنكتشف أن الاختلافات بينهما تكاد لا تذكر. فقد بدأ الإبراهيمي رحلته الدبلوماسية في النصف الأول من عام 1954، عندما أوكلت له مهمة تمثيل جبهة التحرير الجزائرية، في جاكرتا، التي كانت -الجبهة- لاتزال حينها تواصل نضالها لإخراج المستعمر الفرنسي من الجزائر، ثم أصبح، في عام 1984 مسؤولاً سامياً للجامعة العربية، فمبعوثا للأمم المتحدة في لبنان في عام 1989، ويقال إن بصماته كانت واضحة، وشكلت أحد العوامل المهمة التي قادت إلى توقيع اتفاق الطائف الذي ساهم في نيل شبه إجماع على حل الأزمة اللبنانية. وكان الإبراهيمي أيضاً مبعوثاً دولياً لأفغانستان، وأخيراً أرسل للعراق بعد اجتياحه من قبل القوات الغربية في عام 2003. باختصار تقلد الإبراهيمي مجموعة من المناصب الدولية لحل الأزمات، وضعت بين يديه خبرة غنية في التعامل مع معضلات معقدة، لا تقل صعوبة عن الحالة السورية، ومن ثم فعلى المستوى الشخصي، يتمتع بكل المؤهلات الدبلوماسية التي تبيح له القبول بالمهمة، وبالتالي، وعلى المستوى الذاتي المحض، تبعث الأمل في إمكانية التوصل لحل الأزمة السورية، خاصة وأنه يتفوق على عنان بأصوله العربية التي تمكنه من التعاطي مع الأطراف العربية، والسير في دهاليزها، بمهارات أفضل.
بالمقابل نجد أن كوفي عنان، رغم استقالته، لم تكن تعوزه الخبرة والمهارات الذاتية، التي توثقها العديد من المصادر العالمية. فقد كان يشغل، قبل أن يعين مندوباً دولياً عربياً لحل المشكلة السورية، منصب الأمين العام للأمم المتحدة. وفي عام 1993، كان عنان يعمل كنائب الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام. وفي عام 1996 عمل في منصب نائب الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام، الذي تقلده «بعد شغله لمنصب المبعوث الخاص للأمين العام في يوغسلافيا ومنصب المبعوث الخاص لمنظمة حلف شمال الأطلسي «NATO» وذلك خلال الفترة التي أعقبت التوقيع على اتفاق دايتون «Dayton» للسلام». وصل عنان إلى كل تلك المناصب الدبلوماسية الدولية بعد تقلده مجموعة من الوظائف في الحقل الدبلوماسي العالمي، حيث «خدم كوفي عنان الأمم المتحدة في العديد من المناصب الأخرى في أماكن متعددة من العالم منها مصر، وأديس أبابا، ونيويورك مكرساً ما يقرب من 30 عاماً من عمره في خدمة المنظمة الدولية». وعلى المستوى العمل الدبلوماسي في المنطقة العربية، كان عنان، مندوب الأمين العام للأمم المتحدة للكويت في أعقاب الغزو العراقي لها في عام 1990. ويحفظ لعنان محاولته الجريئة حين وقف، عندما شغل منصب الأمين العام للأمم المتحدة وراء «خطة إصلاحية للأمم المتحدة « والتي تمت الموافقة عليها بواسطة الجمعية العامة في 1997.
كل تلك الإمكانات الذاتية لـ»كوفي عنان»، لم تكن كافية كي توصله إلى خط النهاية في سباق «الأزمة السورية»، التي يبدو أنه فضل عدم الاستمرار فيه، واختار الاستقالة، بعد أن أكد أن الحل ليس محصوراً في أطراف الصراع المحليين فحسب، بل يتجاوزه إلى الصراعات الدولية، التي ما لم يتم الاتفاق بين أطرافها، يبقى الأمل في إنهاء الأزمة ضعيفاً. ولم يكن ذلك بخاف على الإبراهيمي، الذي نقلت عنه وكالة «رويترز»، تردده «لعدة أيام في قبول العرض من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لشغل المنصب، لا يريد أن يظهر بصفته مجرد بديل لعنان لكنه يريد تفويضاً معدلاً ولقباً جديداً».
إذا تجاوزنا العناصر الذاتية للمندوبين عنان والإبراهيمي، ووصلنا إلى «الحالة الذاتية للأزمة السورية»، نجد أن انطلاقة الإبراهيمي أسوأ، في حقيقة الأمر، من بداية عنان، حيث لاتزال الأطراف السورية والدولية تتمترس وراء مواقفها التي ترفض التنازل عنها، وهو أمر لم يكن بهذه الشدة من الوضوح، عندما تسلم عنان مهمته. هذا الوضوح في المواقف يضاعف من تعقيد الأزمة، في وجه الإبراهيمي، ولا يعمل لصالح حلها، إذ لا يبدو في الأفق رغبة أي من الأطراف التقدم خطوة للأمام على طريق حل وسط.
فعلى المستوى الداخلي السوري المحض، يصر الرئيس بشار على بقائه في السلطة، رغم كل الرفض الشعبي له، والانشقاقات المتلاحقة التي وصلت إلى أعلى الدوائر فيها، ولا يعد بأكثر من إصلاحات طفيفة، فيما لو وافقت الأطراف المعارضة بمختلف تلاوينها، على وقف الخيار العسكري، والجلوس إلى طاولة المفاوضات. مقابل ذلك، ترفض تلك الأطراف أي حل وسط، وتصر على موقفها المطالب بإسقاط النظام. من هنا لا تلوح في الأفق بارقة أمل توحي بحل توفيقي بين طرفي النزاع المحليين.
المشهد ذاته يتكرر عند تشخيص المواقف الدولية التي لم، ولا يبدو أن هناك نية لدى أي منها، يتزحزح الطرفان عن مواقفهما من «الحالة السورية»، فبينما تصر الولايات المتحدة، ومن ورائها كتلة «الناتو»، على أنه ليس هناك حل قبل إزاحة الأسد، وحينها يمكن التفكير في صيغ أخرى، نجد أن المحور الروسي - الصيني، يتمسك بموقفه المنطلق من مشاركة الأسد في أية صيغة مستقبلية لترتيب البيت السوري، دون أن يقود ذلك إلى إزاحة من كرسي الحكم.
في ضوء كل ذلك، يبدو أن الإبراهيمي سوف ينفذ مهمته في طريق يشبه حقل ألغام محلية ودولية زرعتها فيها بشكل مستقل أطراف الصراع السورية والعالمية، بل وحتى العربية، ومن ثم فهناك بصيص أمل ضعيف في أن ينجح الإبراهيمي العربي الأصول حيث أخفق نظيره الدولي كوفي عنان، ما لم يحدث انقلاب حقيقي في موازين القوى المتصارعة مصدره الأساسي إقدام أحد المحورين الدوليين بخطوة جريئة، ربما لا تكون محسوبة العواقب، يغلب أحد طرفي الصراع المحليين على الآخر. ولذا فمن غير المستبعد أن نشهد، في زمن يصعب تحديده، حالة قريبة جداً من تلك التي عرفناها في العراق، عندما قررت الولايات المتحدة، الزج بقواتها، والتدخل بشكل سافر في العراق، وحسمت الصراع بعد أن أطاحت بصدام. والعكس صحيح أيضاً، فمن الخطأ إسقاط تدخل روسي، شبيه بذلك الذي قامت به موسكو في أفغانستان.
الأبواب مفتوحة أمام كلا السيناريوهين، لكن ما هو أهم منهما هو النتائج التي ستتمخض عن أي منهما. فليست عراق اليوم بأفضل من عراق صدام، وليست أفغانستان الحاضر بأحسن من تلك التي أطاحت بها موسكو.