الرأي

الإجهاش بالضحك أو فن التهديد الديمقراطي «1»

الإجهاش بالضحك أو فن التهديد الديمقراطي «1»

قال مهدداً: سوف يأتي اليوم الذي أرد فيه عليك وعلى حسن المدني علانية وبالشكل المناسب، فأنتما تنتقدان المعارضة بقسوة ولا تريان عيوب السلطة حتى كأن لا مسؤولية لها في كل ما حدث، وفيما يحدث.
قلت: هاهنا أمران: الأول، يطرح سؤالاً في مستوى غرابة الطرح، والثاني يتعلق بتهمة مكررة سأرد عليها فوراً ودون تردد أو تأجيل لأني لست من المرجئة ولا أجد قط من يسلبني حرية إبداء رأيي، ولكن قبل ذلك دعني أسألك لماذا لا ترد أنت الآن وفوراً وما الذي يبطئك ويمنعك؟؟
قال: لا أستطيع أن أرد على «راحتي» لأن مساحة الحرية عندنا معدومة، وعندما تتوافر سوف أرد عليكما بالطريقة المناسبة.!!
قلت: والله إن كلامك ليثير الاستغراب، ولا يمكن أن أحمل تحفظك إلا على محمل الاستخفاف بالعقل، لأن مساحة الحرية المتاحة كما أراها من الاتساع بما يسمح بأي جدل فكري وسياسي حر وعقلاني، إلا إذا كنت من أهل التخفي لا تريد أن تظهر ما تبطن، ومع ذلك فإن ادعاءك هذا يتناقض مع واقع الحال الذي تمارسونه على الأرض، فأنتم تعتصمون وتتظاهرون وتتجمعون يومياً، وترفعون من الشعارات وتعلنون من البيانات ما يحمل نقداً أشد قساوة مما تنتقد به المعارضة، بل إن بعض كوادر حزبكم يشتمون الحكومة ويلعنون اليوم الذي وجدت فيه على الأرض، ويهددونها علانية في الفضائيات والإذاعات بالويل والثبور وعظائم الأمور، ومع ذلك لم يتعرض لهم أحد بالسوء (على حد علمي) أو حتى بالمحاسبة القانونية العادية، ولذلك لا أدري ما هو حجم الحرية الذي تريدونه أكثر من أنكم تتحدثون وتكتبون وتسبون كل من تريدون، وتصدرون البيانات وتسيرون في مظاهرات شبه اليومية ترفعون فيها من شعارات التسقيط والموت ما يكفي لإسقاط عشر دول دفعة واحدة.!!
الأمر الثاني: أن من تعييه الحيلة ويعميه التعصب عن رؤية الحقائق كما هي يمكنه أن يهرب من مواجهتها بتلبس دور الضحية، بدلاً من مواجهة الوقائع، والأمر هنا لا يتعلق بعدم القدرة أو عدم الرغبة في الرد أو الهروب منه، وإنما الأمر يتطابق مع عدم القدرة على الرد أولاً على دعاة الطائفية من حلفائكم الذين يضغطون عليكم إلى درجة أنكم أصبحتم لا تقدرون حتى على تسجيل مجرد ملاحظة واحدة أو نشر بيان مستقل لا يمر أولاً بالمسطرة إياها التي تعلم طبيعتها أكثر مني إلا فيما ندر، فالعاجز عن التفرد برأي يختلف عن رأي المجاميع -لمجرد كونها مجاميع- من الطبيعي أن يعجز عن قول الحق في حينه حتى وإن كان مدركاً أنه الحق البين.
الأمر الثالث: أن اعتزامك الرد في وقت تحدده أنت ويكون مناسباً لك، هو على الأرجح وقتك المناسب المأمول (المبطن بالتهديد والوعيد) الذي تتوقعون فيه الإمساك بزمام السلطة -مثلاً- فتنتقمون فيه من كل من انتقدكم بكلمة أو سطر أو وجه إليكم مجرد سؤال بسيط حول مسؤوليتكم عما حدث، وهذه هي بالطبع طبيعة الدولة التي تبشروننا بها، وطبيعة الديمقراطية التي تؤذنون لها، فالوعيد يرتبط بمشروع التنكيل بكل من يخالفكم الرأي أو الفكر أو الاجتهاد، وهذا تعودنا عليه، ويرتبط بنموذج حلفائكم البعيدين والقريبين. ويستوقفني في هذا الصدد، فيما يستوقف، مواقف لرفاق لكم قبل أن تدفع بهم أقدارهم إلى التحالف مع إسلاميين، وقبل أن تدفع بهم سخرية التاريخ إلى التحالف مع «الإمبريالية الأمريكية» التي أصبحت سفاراتها فضاءهم العام ومختبر تكتيكاتهم واجتماعاتكم وتنسيقاتكم، كانوا يحرصون قبل هذه الوقعة الكبرى على «أولوية مواجهة مشاريع وسياسات الإمبريالية وعملائها في الداخل، والمطالبة بـديمقراطية مضادة تنزع القداسة عن صناديق الاقتراع»، وعن البرلمانية عموماً، ديمقراطية لا انتخابات فيها حتى لو كانت نزيهة وحرة خصوصاً «عندما تقرر صناديق الاقتراع فوز قوى فاشية إسلامية (هكذا!!)».
فالصراع وفقاً لهذا المنطق «الديمقراطي» سيتحوّل، غالباً، إلى أسوأ أشكاله: الانقسام والاحتراب وانفلات الغرائز والعصبيات.
وللحديث صلة..