الرأي

أبعاد لعبة الشطرنج الجديدة.. «إصلاح ذو معنى.. ديمقراطية ذات مغزى»!

أبعاد لعبة الشطرنج الجديدة.. «إصلاح ذو معنى.. ديمقراطية ذات مغزى»!

إصلاح ذو مغزى
تغييرات ذات معنى
ديمقراطية ذات مغزى..
ديمقراطية حقيقية ذات قيمة..
عبارات تتردد في العديد من البيانات والتصريحات الصادرة عن المعارضة كما الصادرة عن الإدارة الأمريكية في مواجهة الأزمة التي تعيش البحرين على إيقاعها منذ حوالي عام ونصف..
الأوصاف المنعوت بها الحوار والإصلاح والديمقراطية مشروعة في سياق من يفاوض حول المكاسب والتنازلات للوصول إلى الوسط السعيد الذي يرضيه ويحقق أهدافه المرحلية أو النهائية: «إصلاح ذو معنى - ذو مغزى ذو قيمة...».
ولكن ما هي حدود التوصيف؟ ما هي مدلولات الدوال هنا؟ وما هو مضمونها السياسي؟
الحقيقة أن هذا التوصيف للإصلاح السياسي وللديمقراطية على النحو المذكور يؤتى به في مواجهة أو مقابلة الإصلاح الفعلي الممارس على الأرض والمترجم في المؤسسات والتشريعات- أياً كان مستواه- فهو الإصلاح الذي عاشت البحرين وما زالت تعيش على إيقاعه منذ أكثر من عقد من الزمان بمراحله ومظاهره المختلفة والتي توصف في هذا السياق بعكس الأوصاف (حقيقي - ذو مغزى - ذو قيمة.. إلخ)، بما يحيل على فكرة أن هنالك اتفاقاً على الحاجة إلى الإصلاح وأن هنالك اختلافاً على توصيفه ودرجته وترجمته على الأرض. وعلى هذا الأساس فإن هنالك نوعين من الإصلاح وفقاً للتوصيف- الشعار (إصلاح بلا معنى، وإصلاح ذو معنى ولن نتحدث هنا عن توافق الإرادتين الأمريكية والمعارضة في هذا التوصيف، ولنعتبره من باب حسن النية أنه محض صدفة أو محض اتفاق أو أنه نتيجة للتحليل البديهي والموضوعي للحالة البحرينية):
- هنالك إذن إصلاح تقوده السلطة معها قسم كبير من المجتمع وتراه ويراه مناسباً للحظة التاريخية -وإن كانا يقران أنه مرحلي وقابل للتطوير- فهما يريانه ذا طبيعة تراكمية وتدريجية، ويريانه ذا مغزى وذا معنى وذا قيمة، طالما أنه يحقق تقدماً في اتجاه الرشاد والحوكمة والشفافية والشراكة السياسية والرفاه الاجتماعي والاقتصادي والعدالة وتكافؤ الفرص، والذين ينكرون حدوث تقدم ملموس ذي مغزى خلال عمر التجربة الديمقراطية الجديدة في البحرين لا يمكن أن يكونوا موضوعين، والذي ينكر الخطوات التي أنجزتها السلطة بكافة مكوناتها وأجهزتها خلال 11 سنة لا يمكن أن يكون مبصراً للحقيقة بل يمكن توصيف موقفه عملياً بالعدمية السياسية.
- وهنالك إصلاح تراه المعارضة (الإصلاحية وليست الثورية) ومعها الإرادة الأمريكية بديلاً عن النسخة الفعلية الواقعية المطبقة حالياً، وتريده أن يكون «ذا معنى وذا مغزى»، أي أن يكون عميقاً وجذرياً (يقترب من حد الثورة على ما هو قائم)، وهي لذلك تسفه كل فعل على الأرض وتقلل من شأنه: (فالإصلاح سطحي وحوار التوافق الوطني أكذوبة- والتعديلات الدستورية سطحية وحتى توصيات بسيوني لعبة..).
وعادة ما تكون هذه الأوصاف مصاحبة بلائحة تفصيلية تشرح معناها ومقاصدها، ويمكن التمييز في هذا السياق بين مستويين من الطموح؛ الطموح السياسي الأبرز يتمثل فيما عبرت عنه «وثيقة المنامة» التي تحوصل أهم طلبات المعارضة (ويؤيدها في ذلك الأمريكان)، ويتم اختصارها في القول إن الإصلاح المطلوب (الحقيقي ذو المغزى)، وهو الذي يبدأ باستقالة الحكومة وانتخاب حكومة جديدة (على نمط حكومة المالكي في العراق مثلاً) بعد أن يتم شطب جزء من المسجلين في قوائم الناخبين (لأنهم من المجنسين بعد 1990م وفقاً لمقررات هذه الوثيقة لتستقيم الحسبة العددية التي في أذهان أصحاب الوثيقة) ويمر هذا الإصلاح أيضاً بإلغاء مجلس الشورى باعتباره مجلساً معيناً، وينتهي بتعديل الدوائر الانتخابية بما يؤدي إلى سيطرة المعارضة على البرلمان (وفقاً لمعادلتها الحسابية). وبالتالي فإن الحكومة المنتخبة بوسعها تغيير الدستور وقلب الأوضاع القائمة (في اتجاه ذي معنى وذي مغزى حقيقي ومفيد يتناسب مع أجندة التغيير والتحوير ربما وصولاً إلى الجمهورية الإسلامية ذات المغزى)، بعكس الطموح الإصلاحي الذي ينشده قسم كبير من المواطنين -من خارج مظلة المعارضة- فهو يقوم على تعزيز التجربة الإصلاحية في ظل الثوابت التي أجمع عليها الناس في ميثاق العمل الوطني، ومنها تعزيز دولة المواطنة والقانون والمساواة وتكافؤ الفرص ومحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين، وتعزيز الوحدة الوطنية وتطبيق القانون.. إلخ.
إذاً هنالك حالة من التنازع -لا الحوار- بين (إصلاح ذي مغزى - وإصلاح واقعي لا يقفز نحو المجهول)، ولذلك يغيب الحوار السياسي الوطني المبني على التحليل وعلى الرؤى الفكرية الجادة، وتحل محله حالة من الغوغائية اللغوية والسياسية التي تدور في حلقة مفرغة، في حين أن المطلوب هو الجلوس إلى طاولة الحوار الوطني للمصارحة والمصالحة وبناء المشتركات (طالما أن هنالك إجماعاً على الإصلاح والديمقراطية والحرية والعدالة والشفافية وتكافؤ الفرص والوحدة الوطنية والعيش المشترك..) وبذلك يمكن الوصول إلى ما يمكن أن نسميه بالوسط السعيد في هذه اللحظة التاريخية الذي يخلص البلاد من حالة الدوران في حلقة مفرغة من الإنهاك الأمني والسياسي، ولا شك أن أمراً من هذا القبيل يقتضي ويفترض بالضرورة عزل التطرف والمتطرفين في الجهتين، وتلك معركة لا بد منها، ولكنها لن تحسم إلا إذا جلس العقلاء إلى الطاولة.