الرأي

أربعة أحداث لصورة كاملة تستحق التمعن

نــوافـــذ

أربعة أحداث عرفتها منطقة الشرق الأوسط، وفي القلب منها المنطقة العربية، تستحق التوقف عندها وقراءتها بشيء من التمعن ممن يريد أن أن يرى بشيء من الوضوح غير المنفعل، خط سير قطار التطورات المتوقعة للمنطقة العربية في المستقبل القريب المنظور. أول تلك الأحداث، وربما أكثرها تأثيراً هو لقاء الرئيس محمد مرسي مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، وليست المصادفة وحدها هي التي زامنت بين ذلك اللقاء واجتماع الرئيس مرسي مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس. الحدث الثاني هو تصريح الإخوان المسلمين في سوريا عن نيتهم تشكيل حزب سياسي يكون قادراً على مواكبة الأحداث القادمة في سوريا، الحدث الثالث هو خطاب أمين عام حزب الله اللبناني حسن نصر الله الأخير يوم 18 يوليو، وهو يوم انفجار مقر الأمن السوري الذي ذهبت فيه مجموعة من القيادات الأمنية والعسكرية للنظام القائم في دمشق. أما الحدث الرابع، والذي قد يبدو بعيداً بعض الشيء لكنه في قلب أحداث المنطقة العريبة، فهو موافقة أكثر من نصف أعضاء البرلمان الإيراني على «مشروع قانون يهدد بإغلاق مضيق هرمز أمام ناقلات النفط رداً على العقوبات الأوروبية على الخام الإيراني».
أهمية الحدث الأول من زاوية انعكاسه على تطور الأحداث في المنطقة العربية، هوعلاقته بالرابط التنظيمي ذي الخلفية العقيدية، وهوالأقوى ومن ثم الأكثر تأثيراً، من مجرد لقاء سياسي يجري بين قائدين سياسيين، كما هو الحال في اجتماع مرسي مع محمود عباس. مدلولات اللقاء تشير إلى خيارين: الأول هو أن يكون مرسي قد ناشد مشعل بأن يستوعب أن مصر ليست في وضع اليوم يمكنها من تقديم الدعم المطلوب لحركة حماس، والذي تفرضه العلاقات التنظيمية المنطلقة من خلفيات دينية، وأن على حركة حماس أن تراعي ذلك في الحسبان، فيما لو ارتأت أن تصعّد من نضالاتها ضد العدو الصهيوني مدرجة في حساباتها حقاً من مصر يتناسب والعلاقات بينهما، ويتناسب في الوقت ذاته مع الثقل المصري الذي يمكن أن يدعمها في ذلك التصعيد، ويتناغم ذلك مع ضرورة إشعار عباس بما تم الاتفاق عليه، كي يكون هو الآخر على علم بمثل هذا التطور، ومن ثم يأخذه بعين الاعتبار في علاقاته مع حماس من جهة، وفي محادثاته مع الدولة العبرية من جهة ثانية. الاحتمال الثاني، وهو النقيض من ذلك، وهو ضعيف، لكنه محتمل، وهو استعداد مصر لدعم أي تصعيد من جانب حماس، ومن ثم لابد وأن يكون محمود عباس الذي كان في القاهرة أثناء اللقاء على اطلاع بذلك الموقف كي يتهيأ للتعامل معه، بما يملكه تحت تصرفه من أدوات. في الحالتين، وبغض النظر عن الخيار المصري، سيؤثر ذلك على منطق تطورات الوضاع في الأراضي المحتلة.
الحدث الثاني هو عزم جماعة الإخوان المسلمين في سوريا على إنشاء حزب سياسي، إسوة بمصر عندما شكلت الجماعة حزبها السياسي أيضاً «الحرية والعدالة»، والذي يأتي بعد حوالي نصف عام من تصريح لـ «جماعة الإخوان» السوريين في المنفى نقلته جريدة « الشرق القطرية» جاء فيه عزم حركة «الإخوان المسلمين» في المنفى على التخلي «عن السياسة وعن مسمى (الإخوان المسلمين)، واقتصار العمل على الدعوة إذا سمح لهم بالعودة إلى بلدهم سوريا، (مضيفة قول) الأمين العام لتنظيم الإخوان المسلمين في سوريا محمد رياض الشقفة لو سمح لنا بالنزول إلى سوريا سنعمل فقط في مجال الدعوة بدون اسم الإخوان المسلمين وبدون أي أحزاب إلا إذا حصل نظام حزبي ووافقت الدولة عليه». من هنا يأتي الإعلان اليوم عن نية الإخوان المسلمين في سوريا في تشكيل حزب سياسي منفصل أنهم يتهيؤون للمرحلة المقبلة، ويريدون أن تحسب حصتهم حين حصول أي تحول في النظام السوري القائم، سواء بسقوط نظام الأسد، او إقدامه على تغييرات جوهرية غير متوقعة. ففي الحالتين، لن تقبل الجماعة أن يكون الحضور السياسي لها هامشياً، خاصة عندما يؤخذ ثقل الإخوان المسلمين اليوم في مصر.
الحدث الثالث، وهو تصريحات نصر الله المفاجئة بشأن «الربيع العربي»، وظهوره العلني المفاجىء، متحدياً بذلك الإجراءات الأمنية التي كان يتقيد بها، ومن ضمنها مخاطبة جماهيره من خلف شاشة متلفزة عملاقة، يعني أنه بدأ يحس أن الأرض التي يقف عليها الحزب لم تعد بالصلابة السابقة، وأن تحولات الأوضاع في سوريا لا تسير في صالحه، الأمر الذي يدفعه إلى إعادة النظر في سياسات الحزب في المرحلة القادمة من خلال زوايا المربع الذي يسيرها: العلاقة المميزة مع سوريا الأسد ومن خلفها العلاقة مع إيران، العلاقة مع الدولة اللبنانية ومن ضمنها العلاقات مع الفعاليات اللبنانية المختلفة. بغض النظر عن الطريق التي سوف يسلكها نصر الله ومن خلفه حزب الله، فهو سيكون مختلفاً عن ذلك الذي عرفناه منه خلال السنوات العشرين الماضية، ومن ثم فمن الطبيعي أن يكون مؤثراً على موازين القوى، وبالتالي على تطور الأحداث المقبلة في الشرق الأوسط.
الحدث الرابع، غير العربي، لكنه يتداخل مع الأوضاع العربية، هو قرار البرلمان الإيراني بشأن إغلاق مضيق هرمز، وعلى الرغم من أن البرلمان الإيراني « لا يملك سلطة القرار فيما يتعلق بشؤون السياسة الدفاعية والخارجية التي يفصل فيها آية الله علي خامنئي، فإن القانون سيعطي دعماً سياسياً لأي قرار يقضي بإغلاق المضيق». يحمل هذا التطور الدراماتيكي الاستباقي في الموقف الإيراني الكثير من المعاني، لعل الأهم منها، هو شعور طهران القوي بأن نتائج الأحداث في سوريا،وهي الحليف العربي الوحيد لها، مهما كانت عميقة وجذرية، أو حتى طفيفة، لن تكون في صالحها، الأمرالذي يغير من موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط وفقاً لهذه التغييرات، ومن ثم فليس في يد إيران اليوم من ورقة أقوى من الورقة الخليجية، إن شاءت أن تلعبها في صراعها المتأرجح بين التهديد العلني والغزل المموه مع الدوائر الغربية، وفي المقدمة منها واشنطن. ومن ثم فمن غير المستبعد أن تقدم إيران على خطوة، ليست بالضرورة محصورة في إغلاق المضيق، وإنما عمل استفزازي، من نمط مختلف يبيح لها إحداث فوضى في المنطقة ترغم الجميع على إعادة خلط الأوراق، ومن ثم يتم تجميد أية مشروعات معادية لها، مما يعطي طهران الوقت، الذي هي اليوم في أمس الحاجة له، كي تتمكن من إعادة حساباتها، والخروج باستراتيجية جديدة، غير متسرعة تجاه المنطقة، تكون ملائمة، من وجهة النظر الإيرانية، لمشروعاتها هي إزاء المنطقة.
رؤية هذه الأحداث منفصلة، تعطي المتابع جزءاً من الصورة، لكن رؤيتها في سياقها الكلي تبيح ظهور تلك الصورة الاستراتيجية لمستقبل المنطقة، وهذ الذي يجعل من هذه الرؤية مسألة تستحق التمعن.