الرأي

عولمة التضامن في مواجهة عولمة رأسمال

عولمة التضامن في مواجهة عولمة رأسمال

كيف يمكن للعمال مواجهة العولمة الرأسمالية الكاسحة والتي نجحت في تقليص قيمة العمل وتهميش النقابات والحد من تأثيرها في سياسات العمل والحقوق؟
سؤال بات يطرح بشكل جدي في العديد من البلدان، خاصة بعد تفشي البطالة وتغير مفهوم العمل والتوزيع العالمي الجديد له، في ظل الهيمنة الكاسحة للرأسمالية الصاعدة وتراجع القيم الاشتراكية في العديد من بلدان العالم والتي كانت حاضنة للعمل النقابي، وبات هذا الأمر يطرح إشكاليتين:
الإشكالية الأولى: تتمثل في أن النقابات في جميع أنحاء العالم كانت وماتزال الإطار الشرعي والمنظم للدفاع عن الحقوق المشروعة للقوى العاملة في علاقة توازن مع مصالح أصحاب العمل سواء أكانوا حكوميين أو خواصاً، ولكن ظهرت خلال السنوات الماضية العديد من التحولات التي ولدت عدة مفاهيم تتحدث عن ضرورة مراجعة مفاهيم العمل النقابي في اتجاه الشراكة بين العمال وأرباب الأعمال بدل المواجهة للمحافظة على فرص العمل الذي هو أساس وجود العامل، بل إن بعض هذه المقولات تتحدث عن نهاية عصر النقابات، خاصة في بعض البلدان الأوروبية خاصة في فرنسا وألمانيا وبلجيكا..
ففي فرنسا مثلاً، يعدّ ضحايا تسريح العمال بمئات الآلاف، وخاصة من شريحة ما فوق الخمسين سنة، أما الشباب وشريحة ما بين 25 و35 سنة، فهم في الكثير من الحالات ينتدبون حسب نظام المناولة أو العقود المؤقتة، وما إلى ذلك من أشكال التوظيف الوقتي التي ابتدعتها العولمة للضغط على الكلفة الاجتماعية للإنتاج، وتحت ضغط البطالة وشبح تسريح العمال صار هؤلاء الضحايا يبحثون كل بطريقته عن حلول فردية لإيجاد موضع قدم في سوق العمل، وفقدت النقابات نسبة هامة من منخرطيها أو من الذين كان يفترض أن يكونوا منخرطين جدداً، وخسرت بالتالي إحدى نقاط ارتكازها التقليدية، وهي أن تكون لها قواعدها العمالية. غير أن عديداً من المنظمات النقابية الأوروبية التي طالما عرفت كأكبر المنظمات النقابية عالمياً استطاعت إعادة بناء ذاتها وقدراتها بعدما عرفت كيف تراجع نقاط ضعفها فأمكن لها أن تستعيد قدرتها التفاوضية.
الإشكالية الثانية: تتمثل في كيفية إعادة بناء العمل النقابي على الصعيدين الوطني والدولي وفقاً للتحديات الجديدة، للوصول إلى عولمة التضامن النقابي بشكل مؤسساتي في وجه العولمة الرأسمالية؟ وهناك حالياً مخاض وحوارات وبدايات مقاربات في اتجاه توحيد الحركة النقابية عالمياً، إذ اتضح أن التنظيم العنكبوتي للرأسمالية العالمية التي اكتسحت كل أرجاء المعمورة لا بدّ أن تقابله قوة نقابية تفاوضية لها من الوزن والاعتبار ما يجعل كلمتها مسموعة، ومن المؤشرات الدالة التي نسجلها في هذا السياق المصادقة على الاتفاقية الدولية لحماية العمل النقابي، وهذا المعطى يطرح إشكالية التفتت النقابي، تنظيمياً، في الأقطار التي تعيش التعددية النقابية، فنحن إزاء ثنائية متناقضة وهي كيف تتوحد الصفوف النقابية عالمياً وتبقى مشتتة على الصعيد الوطني؟ وهل من الحكمة الانخراط في منطق التعددية النقابية لإعطاء أرباب العمل فرصة المناورة والاستفادة من تشتت الصف النقابي فإذا كانت مسألة التعددية النقابية مطروحة فهناك نظرة سلبية إليها مشوبة بنوع من الريبة والتشكيك، ولكن وفي نفس الوقت لم يعد من الممكن منع التعددية النقابية باسم وحدة العمل النقابي وهو شعار يذكرنا بما كانت تردده العديد من الدول العربية من كونها تمنع التعددية والديمقراطية حفاظاً على الوحدة الوطنية.
ويبقى التساؤل الأكثر أهمية على الصعيد الوطني وهو: مدى قدرة اتحاد العمال على استيعاب مختلف الحساسيات الفكرية والسياسية والنقابية بعيداً عن التحزب الضيق والانتماءات الأيديولوجية، والولاءات الشخصية والحزبية والطائفية المقيتة، حيث يجب أن يكون هنالك مجال لتواجد الجميع في صلب التنظيم الواحد، مع حق الاختلاف الفكري ولكن مع ضرورة الالتقاء في النهاية حول مواقف واحدة وكلمة موحدة.