طهاة الأحلام.. ومأزق الواقع
في المشهد المعقّد للشرق الأوسط، واجهت المجتمعات تحديات لا هوادة فيها لعقود من الزمن. أصبحت الحروب وعدم الاستقرار السياسي والصعوبات الاقتصادية مواضيع مستمرة تُلقي بظلالها الطويلة على حياة الناس. ومع ذلك، وسط هذه الأزمات، هناك دائماً أصوات، «طهاة الأحلام»، الذين يصنعون ويسوّقون رؤى للمستقبل المزدهر. إنهم يقدّمون لمجتمعاتهم صوراً مُبهرة من الرخاء والوحدة والتقدّم. ولكن عندما تصطدم هذه الأحلام بقسوة الواقع، تنشأ معضلة.- معضلة الشرق الأوسط: في السنوات الأخيرة، شهد الشرق الأوسط بعضاً من أشد عواقب الصراعات العالمية خطورة. لقد ألحقت الحروب في غزة ولبنان وسوريا والعراق واليمن، إلى جانب عدم الاستقرار الإقليمي، أضراراً بالغة بالأسس الاقتصادية لهذه البلدان. كما أدى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر، ونفوذ الميليشيات الإرهابية، والصراع الطائفي، إلى تعميق الأزمة. لقد حطمت هذه القضايا أحلام الاستقرار لملايين البشر.الواقع أن الوضع الاقتصادي على وجه الخصوص كان له أثر عميق. فقد تضاءلت فرص العمل، وانهارت الشركات، وتعطّلت التجارة عبر الحدود. وارتفعت معدلات التضخم والبطالة، ومعهما اليأس. وحتى في الدول المستقرة نسبياً، تتزايد التحديات الاقتصادية، حيث يكافح المواطنون مع انخفاض مستويات المعيشة.- طهاة الأحلام: في خضمّ هذه الاضطرابات، تبرز طهاة الأحلام -القادة أو المؤثرون أو المثاليون الذين يعدون بإصلاحات سريعة أو رؤى بعيدة المدى للسلام والازدهار- وهم يروّجون لأحلام الإحياء الاقتصادي، والاستقرار السياسي، أو التماسك الاجتماعي. ورغم أن نواياهم قد تكون صادقة، فإن هذه الوعود غالباً ما تفتقر إلى الأساس في الواقع القاسي للحقائق الجيوسياسية أو الاقتصادية.ويفشل طهاة الأحلام هؤلاء في معالجة التحديات البنيوية المطروحة. وهم غالباً ما يتجاهلون تعقيد النسيج الاجتماعي والسياسي في المنطقة، مثل الطائفية، والتدخل الأجنبي. وبدلاً من ذلك، يروّجون لأهداف نبيلة تترك المجتمعات غير مستعدة للعمل العملي اللازم لتحقيق الاستقرار.- الاصطدام بالواقع: إن الأحلام، رغم ضرورتها لإلهام الأمل، تواجه معضلة الواقعية. فالشرق الأوسط، بتاريخه من الصراعات غير المحلولة، والتدخلات الأجنبية، لا يمكن تحويله بين عشية وضحاها من خلال المثالية. فالمجتمعات تحتاج إلى أكثر من الوعود، فهي تتطلب استراتيجيات وظيفية، وشفافية، وهياكل ديمقراطية تعترف بالتحديات القائمة.على سبيل المثال، في الاقتصادات التي مزقتها الحرب، لا يمكن لأي قدر من الخطابة الرنانة أن يحل محل الحاجة إلى الوظائف، والبنية الأساسية السليمة، وجهود إعادة البناء. وبدون الشفافية، تصبح الأنظمة الاقتصادية والسياسية عرضة للانهيار. وبدلاً من التمسّك بأوهام النجاح بين عشية وضحاها، يتعيّن على القادة أن يركّزوا على أطر السياسات التي تحقق النمو المستدام الطويل الأجل.- الحوكمة والشفافية:في عصر عدم اليقين هذا، لا تُعدّ الشفافية والديمقراطية من الكماليات، بل من الضروريات. ولابد أن تتحمّل الحكومات وصنّاع القرار المسؤولية أمام شعوبهم. ولا يمكن للمجتمعات أن تزدهر على الأحلام وحدها؛ بل إنها تحتاج إلى سياسات واضحة تعالج الفساد، وتبني المرونة الاقتصادية، وتُعطي الأولوية للرفاهة الاجتماعية. إن دولاً لن تتمكّن من إعادة بناء اقتصاداتها واستعادة الثقة إلا من خلال الديمقراطية المتجذرة في النزاهة والشفافية.الخلاصةإن طريق الشرق الأوسط نحو الاستقرار والازدهار طويل ومليء بالتحديات. وسوف يظلّ الطهاة الحالمون موجودين على الدوام، ويقدّمون وعوداً بمستقبل أفضل. ولكن المعضلة لاتزال قائمة، فالأحلام لابد وأن تكون معتدلة بالواقعية، والمجتمعات تحتاج إلى زعامة ترتكز على تعقيدات الواقع، وتركز على العمل الحقيقي، وتلتزم بحلول مستدامة وشفافة. وعندئذ فقط يمكن للمنطقة أن تنتقل من الصراع إلى التعايش، ومن الأزمة إلى إعادة البناء، ومن عدم الاستقرار إلى مستقبل مزدهر.