الهلال الإيراني كان صرحاً من خيال فهوى
حقائق يجب أن نستوعبها، أولاً تمّ الاتفاق «دولياً» على إبقاء النظام الإيراني وعدم إسقاطه، الضربة الإسرائيلية يوم أمس والتي كانت «عن العين والنفس» كما نقول باللهجة العامية أكدت هذا الاستنتاج.من الواضح أنه تمّ الاتفاق بين أمريكا وإسرائيل وكذلك دول المنطقة وحتى مع إيران، وهنا المفارقة، أن الجميع راضٍ بالستارة التي أُسدلت على ما تمّ الوصول إليه.فمن مصلحة الجميع عدم سقوط النظام بضربة خارجية، غير مضمونة النهاية، وقبولنا بهذه النتيجة ليس لأن النظام لم يضرّ بنا، إنما وجود نظام فاقد للأذرع الخارجية كما تم تقطيعها الآن، ولديه كل هذه التعقيدات الداخلية، أأمن للعالم ألف مرة من سقوط مفاجئ لا نعلم إلى ما ستؤول إليه الأمور.ما يهمّنا أكثر من سقوط النظام من عدمه هو سقوط وكلائه، والاتفاق دولياً على إنهاء وجودهم وليبقى مصير النظام مسألة إيرانية داخلية.وكلاء إيران هم من يعنون أمننا وسلامتنا واستقرارنا، وهذا حدث ولله الحمد، فما تبقّى من الميليشيات الإيرانية الموجودة في العواصم العربية الأربع عبارة عن فلول يرافقها صوت إعلامي يحاول التعتيم على هذه الحقيقة وتضخيم ما هو موجود، وتضخيم قوة إيران وانتصاراتها، والكل يعلم كيف قُطعت أذرعها بأسرع مما تتصور.كلما استوعبنا هذه الحقيقة كلما أخذنا بزمام الأمور في تلك الدول واستطعنا أن نعيدها لحضنها العربي، لأن شعوب تلك الدول لم تستعد ولم تتوقع أن تسقط تلك الميليشيات بهذه السرعة، مازالوا متردّدين غير مستوعبين أن أذرع إيران لم تعد تشكّل تهديداً، يذكروننا بحال الجِنّ المصفّد مع النبي سليمان حتى بعد موته، حتى أدركوا أنه مات بعد أن سقطت مِنسأته فسقط، وليس التشبيه المقصود به تلك الميليشيات الإرهابية بالنبي كرّمه الله، إنما حالة الخوف والتعوّد على وجود القيد والخوف عند تلك الشعوب، ولا يُلامون، فلم يتوقع أحد أنّ تلك القبضة الحديدة التي خنقتهم طوال أربعين عاماً ستسقط في أقل من أربعين يوماً، بل لم يخطر على بال أحد أن الاختراق كان إلى العظم وأن سقوطه سيكون بهذه السرعة.ما يهمّنا أنه بالرغم من الإبقاء على النظام الإيراني بالاتفاق الدولي، إلا أن مشروع الهلال الذي بنته إيران والممتد لنفوذها من طهران إلى البحر الأبيض شمالاً والبحر الأحمر غرباً والذي كان قاب قوسين أو أدنى من الاكتمال، انتهى، فما إن تمدّد حتى أصبح المقعد الإيراني مفروضاً علينا في كل التفاوضات حول مصائر شعوبنا، حتى اتُخذ القرار بوأد المحاق قبل أن يكتمل هلالاً، وفجأة تبخّر في أقل من شهر.الحقيقة الثانية التي يجب أن نعيَها، أن سهولة القضاء على تلك الميليشيات لم تكن لولا أن كل موقع قُصف، كل شخصية قُتلت، كانت مكشوفة حتى العمق، فنحن نرى أمامنا قاعدة بيانات كانت جاهزة ومُعدّة مُسبقاً بين أيديهم، تملك أدق أدق التفاصيل حتى «الدي إن أيه» لكل واحد فيهم، كل المخازن والمستودعات كانت مُحدّدة مسبقاً، معروفة منذ زمن، منذ أن كانت تحاربنا وتستنزف قدراتنا وتُركت دون مساس، وأتى اليوم الذي تنتهي فيه مهمتها ويُنهى وجودها في مدّة قياسية كشفت عن واقع أن الاحتفاظ بهم كان بقرار رغم ما فعلوه بالمنطقة، وإنهاءهم كان بقرار أيضاً.من بقي من رجال إيران في العواصم الأربع، وفي دول الخليج، يُصفَّون الآن الواحد تلو الآخر، والبقية تتحسّس لِحاها، تمّت حمايتهم لعقود ومُنعت الدول من المساس بهم وتمدّدوا وشعروا أنهم تحت الحماية الدولية، حتى إذا ما تعارضت تلك المصالح انتهى الدور وانتهوا معه، بل أصبحوا عائقاً أمام المصلحة الإيرانية، وهذا العائق وافقت إيران على التخلّي عنه، أي تنازلت عن «الهلال»!!