نعم.. لأي شيء!
الخميس 01 / 08 / 2024
من ملاحظات وتدوينات الشاعر عبود الكرخي الدقيقة، وهو شاعر وصحافي جوال عاش خلال فترتي الدولة العثمانية والمملكة العراقية في بغداد، ما كان يدونه وهو في شرفة الصحافيين في مجلس النواب خلال الجلسات النيابية، ما دونه خلال جلسة المجلس في يوم 27 مايو 1937، في دفتر جيبه، ومن بينها الفقرة الآتية بالنص: «كلمة أؤيد وأناصر وأساند وأحبذ وأشاطر، ملازمة للسان النائب عبد الرسول كاشف الغطاء، في جميع خطبه بمناسبة أو بدون مناسبة»، في الواقع هذه الصورة التي نقلها إلينا من داخل مجلس النواب والتي حدثت قبل أكثر من 97 سنة، هي ظاهرة قديمة جديدة حدثت قبل ذلك وتحدث في أيامنا هذه في البرلمان وغيره من المؤسسات العامة والخاصة، وهي ليست حكراً على المجتمعات العربية، إنما هي في الواقع مدرسة في التعاطي مع النقاشات واتخاذ القرارات، ففي البرلمان البريطاني يكرر بعض النواب كلمات مثل «I support» أو
«I agree» عند مناقشاتهم لمشاريع القوانين أو اتخاذ القرارات، وفي الكونغرس الأمريكي يتكرر سماع عبارات مثل «Iendorse» أو «Isupport this bill» لا سيما عندما يكون هناك توافق حزبي، وفي البرلمان الكندي والأسترالي والأوروبي تتكرر مصطلحات مشابهة.
هذه الظاهرة هي تحدٍ كبير تواجهه المجالس النيابية والمؤسسات الأخرى، فدور أصحاب القرار يتطلب تفاعلاً حقيقياً ومشاركة تضيف شيئاً، حيث يتطلب الأمر منهم دوراً أكبر من عبارات التأييد والموافقة، والحقيقة أن هذه الظاهرة لم تأتِ من فراغ، بل لها أسبابها، التي يمكن إجمالها بما يأتي: الضغوطات الحزبية في حالة البرلمانات أو العمل السياسي تلعب دوراً كبيراً، فانتماء الشخص إلى حزب يجعله منقاداً إلى موقف الحزب دون تقديم رأي آخر أو مداخلة لها قيمته، لذا يلجأ إلى تكرار عبارات التأييد بدلاً من النقاش أما على مستوى المؤسسات الأخرى فتلعب التكتلات دور الحزب، غير الانتماء الحزبي يؤدي عدم الكفاءة والقدرة على الإحاطة بالأمر إلى الموقف ذاته كخيار بديل وسهل لتجنب المخاطرة بتقديم رأي أو قرار ضعيف، أضف إلى ذلك التعليم المحدود في مهارة النقاش والتحليل، يجعل هناك حاجزاً بين الشخص واتخاذه للقرارات، في كثير من الأحيان، هذا غير الوقت المحدد لأي متحدث، وعدم قدرة ذلك المتحدث على اختصار رأيه، فيلجأ إلى التأييد السريع لتجنب تجاوز الوقت المخصص له، يضاف لذلك التوافق الواسع على أمر معين داخل جلسة نقاش، يدفع بعض الأشخاص إلى تعزيز التوافق وعدم تسجيل أي رأي آخر، وأخيراً الخوف من الانتقاد يكون حاجزاً أمام كثير من الأشخاص من الإدلاء برأيهم لتجنب انتقاد الآخرين.
تبقى هذه الظاهرة تتكرر في الاجتماعات، وتشكل تحدياً واضحاً على جودة النقاشات وما ينتج عنها من قرارات، ما لم تعالج بشكل صحيح، ولعلاجها لابد من تقديم التدريب والتوجيه لتطوير مهارات النقاش واتخاذ القرار للأفراد، وتشجيعهم على المشاركة الفاعلة، وتطوير آليات النقاش، وتعزيز ثقافته، لتتمكن المؤسسات العامة والخاصة من توجيه المشاركين في النقاشات إلى مشاركة فاعلة وحقيقية.