الرأي

رؤية جديدة لإدارة مؤسسات الوقف الخيري

في الأسبوع الماضي عالجنا موضوع الأوقاف والبعثات الدراسية، وذلك من خلال عمودنا إشراقة المنشور في جريدة الوطن البحرينية، في العدد 6748 المنشور يوم السبت الموافق الأول من شهر يونيو عام 2024، وقد استلمنا ردود أفعال متنوعة، ومداخلات وجيهة حول هذا الموضوع. مما يعكس اهتمام الناس بضرورة الاستعانة بأموال الوقف الخيري لتمويل الدراسة الجامعية، وأهمية إعادة تنظيم الإعلان عن البعثات الدراسية، وجميع هذه المداخلات إيجابية ولها أهميتها وهي محل التقدير، ولكن استوقفتني إحدى المداخلات لأحد القراء وهي أهمية أن يكون القائمون على إدارة الوقف محترفين في مجال الاستثمار، وهذه المداخلة ستجعلني أعيد طرح مقترح لإدارة الوقف الخيري كنت قد عالجته من قبل في نفس العمود بنفس الصحيفة وهو: أن أموال الوقف الخيري غالبيتها من العقارات، وكثيراً منها لا يتم الاستفادة منه بشكل مباشر بل يتم استثماره، ومن ثم يستفاد من ريع هذا الاستثمار لخدمة الناس والمجتمع بحسب ما ورد في وثيقة الوقف الخيري التي أوقفها الواقف، كأن يستفاد من عائد استثمارات الوقف الخيري في سد احتياجات الفقراء والمساكين، وتوفير مساكن لهم أو طعام أو مياه، أوملابس، أو دعم التعليم، أو توفير أدوات المهن للمحتاجين مثل سفن الصيد أو معدات النجارة أو الحدادة، أو سيارات تستخدم للأجرة، أو دعم علاج المرضى، وغيرها من الاحتياجات.
ويعتبر استثمار الوقف الخيري، ثم الاستفادة من أرباحه هو وقف غير مباشر وهذا النوع من الوقف الخيري هو الشائع في هذه الأيام، حيث يسهل هذا النهج إدارة الوقف الخيري، فيكتفى باستثمار أموال الوقف الخيري عوضاً عن إدارة وقف مباشر بتقديم خدمات نفع عام كأن يوقف مستشفى لعلاج المرضى أو مدرسة أو جامعة لتعليم الشباب وغيرها من مشاريع النفع العام، وهنا يتضح لنا أن الخبرة الرئيسة التي تحتاجها عملية إدارة الأوقاف الخيرية هي الخبرة في مجال استثمار العقارات وإدارتها، وبالتالي فإن الأمر يتطلب موظفين مختصين في مجال إدارة الأعمال، والاقتصاد، والمحاسبة، والتسويق، وغيرها من التخصصات الاقتصادية، ولا بأس من توفير بعض من المختصين في مجال خدمة المجتمع لدراسة الاحتياجات الاجتماعية وترتيب أولوياتها، والقيام بالدراسات الاجتماعية لأحوال الأسر المحتاجة. وبالتالي لا يتولى إدارة استثمار الأوقاف مختصون في الشريعة الإسلامية كون هذا التخصص بعيداً كل البعد عن إدارة الأعمال، فيكون دور المختصين في الشريعة في لجان الرقابة الشرعية لمساعدتهم في وضع المعايير الشرعية للمؤسسة التي تدير الوقف الخيري، وإنشاء قسم شرعي للرقابة الداخلية في المؤسسة التي تدير الوقف الخيري ليقوم هذا القسم بمراقبة أعمال المؤسسة الوقفية بشكل مستمر للتحقق من التزام أعمال المؤسسة بالمعايير الشرعية.
وهذا النموذج لا يشكل طرحاً جديداً بل هو ذات النموذج الذي عملت به جميع المؤسسات المالية الإسلامية بأنواعها: من مصارف إسلامية، وشركات تأمين، وشركات إعادة تأمين إسلامية، وشركات استثمارية وغيرها، فتلك المؤسسات لم تستعن بمختصين في مجال الشريعة الإسلامية لإدارة استثماراتها وعملياتها المالية بل تجعل منهم مراقبين شرعيين لأعمال المؤسسة فقط، وهذا النموذج هو النموذج الأمثل لإدارة المشاريع الاستثمارية في ضوء المعايير الشريعة الإسلامية لتضمن إدارة الوقف الخيري من قبل مختصين ليكونوا قادرين على مراعاة مصلحة الوقف بطريقة مهنية احترافية. فالهدف الرئيس من إدارة الوقف الخيري هو محصلة الوقف لتحقيق النفع للموقوف عليهم. وأخيراً نتمنى من المعنيين إعادة النظر في النموذج الإداري لإدارة المؤسسات الوقفية وتطويرها وفق الأساليب الحديثة.. ودمتم سالمين.