الرأي

العنف الأسري.. وشماعة المجتمع

مشروع قانون تجريم الأطباء والمعلمين وعاملات المنازل ممن يمتنعون عن الإبلاغ عن حوادث العنف الأسري، ليس بالشبح أو البند الذي يهدم كيان قداسة الكيان الأسري، ومع احترامي للرافضين لهذا القانون فإن قضايا العنف ليست بالقليلة، فهل ننتظر أن تتضاعف الأعداد وتشكل ظاهرة ومن بعدها نقول "ياريت" يعود الزمان لكن مع الأسف عقارب الساعة لا تعود للخلف.

المتابع لمناقشات أعضاء مجلس النواب والشورى يعتقد بأن القانون جاء لهدم استقرار الأسر ويشتت أفرادها، ويهدم كياناً مثالياً، فلا عنف واقع ولا أطفال قتلوا على يد أقرب الناس إليهم، وآباء عنفوا على يد فلذات أكبادهم، الحياة ليست وردية كما يعتقد البعض والأرقام خير دليل.

في عام 2022 سجلت نيابة الأسرة والطفل 3017 قضية عنف أسري، فيها 248 آباء متهمون بالعنف، و113 أبناء متهمون، و116 أباً تعرض للعنف الأسري، و229 الأبناء المجني عليهم، هذه أرقام عام واحد فقط، فهل ننتظر المزيد حتى نشرع قانوناً يعاقب من يتستر على هذا الجرائم الأسرية بالدرجة الأولى؟ وكيف تكون الحياة في أحضان أسرة العنف أساس حياتها؟ هل تساءل البعض كيف سيكون مستقبل هؤلاء الأطفال المعنفين؟ وماهي نتاج هذه الحياة البائسة التي لن تخلف إلا بؤساً قادماً وسلسلة من العنف تنتقل للأجيال المقبلة؟ فمن شب على شيء شاب عليه، والطبع يغلب التطبع كما يقال.

أيها السادة النواب والشوريون، العنف الأسري لا يشكل ظاهرة في البحرين حتى يومنا هذا، لكن هذه ليست مجرد أرقام لحالات بل لكيان إنساني يتعرض لأبشع أنواع العنف خلف جدران المنازل، وينكشف المستور بعد وفاة الطفل أو تعرضه لإصابات بليغة وحادثة طفل عالي ليست بالبعيدة الذي اعتدى على طفلة بآلة كهربائية حادة والسبب "التدخين"، طبعاً الموضوع أكبر من ذلك بكثير والله أعلم بما يتعرض له الطفل من عنف قبل هذه الواقعة.

وأب آخر اعتدى على ابنه المعاق ذي 7 أعوام فقط، ومريض بالصرع ضربه حتى أصيب بعاهة مستديمة، وبقي طريح الفراش ويتنفس ويأكل بأنبوب حتى فارق الحياة، وطفلة أخرى توفيت على يد زوجة أبيها بعد رحلة من التعذيب والضرب والكي، وكانت معروفة بالمدرسة بطالبة "البقع" من كثرة ما تتعرض له من عنف، ووفاتها في المنزل بسبب نزيف داخلي كشف الجريمة، وقصة أخرى لأب ضرب طفله الرضيع وكان يأخذه ويرميه على الأرض لبكائه المستمر، كل هذه الحوادث جزء بسيط من قضايا نظرها القضاء البحريني وصدرت فيها أحكام بالسجن بحق آباء تجردوا من الرحمة وعذبوا أطفالهم حتى الموت، وهذا المقال لن يحتمل سرد جميع تلك الوقائع.

ولكن في العودة للواقع المعمول به، فإنه يحق للمدرسين والأطباء بالإبلاغ عن حوادث العنف في حال اكتشفوا الأمر، لكن أغلبها تكون بعد فوات الأوان، فالأطباء يأتيهم الأطفال جثثاً هامدة أو تتلفظ أنفاسها الأخيرة، ولربما بحجة الحفاظ على الكيان الأسري بعض المدرسين لن يبلغوا عن تلك الحوادث فالبيوت أسرار ولربما تكون حادثة طارئة ولن تتكرر، لكن لربما لن تنفع لما يطيح الفأس في الرأس.

هذا الواقع أيها السادة النواب والشوريون، وكنت أتمنى أن ترد لبالكم هذه القضايا والحوادث التي نشرتها الصحف، ولو كان هناك عقوبة لمن يتستر عن الإبلاغ عن تلك الحالات لكان هؤلاء الأطفال أحياء يرزقون، والقانون ليس لتجريد الأسرة من خصوصيتها بل لحمايتها من التفكك والضياع وإصلاح ما يمكن إصلاحه قبل فوات الأوان، والدين يحمي حقوق الصغير قبل الكبير ويجرم تلك السلوكيات اللإنسانية، وبحجة نظرة المجتمع ضاعت حقوق أطفال تعرضوا للعنف والتحرش والاغتصاب، فهل تعلمون ذلك؟