الرأي

اكمل الناقص

دائماً ما نشعر بأن الحوار والجدل بين السلطة التنفيذية والنواب الذي تنقله الصحافة في اليوم التالي في الصحف الأربع ("الوطن".. أخبار الخليج.. الأيام.. البلاد) حوار متقطّع وغير مكتمل، وذلك إما لأن نقل الصحافة غير مكتمل، وهذا يعود إما لإهمال أو عدم دقة، والاستنتاج الثاني أن الحوار أصلاً يجري على أرض الواقع بهذا الشكل المجتزَأ، كلٌ يغنّي فيه على ليلاه.

وفي كلتا الحالتين نحن أمام مشكلة؛ لأن الرأي العام لا يعرف كيف يكوّن وجهة نظر صحيحة ولا حتى المختصّين أو المراقبين، فيصبح تشكيل وجهة النظر لقضايا حساسة ومهمة للناس مبنيّاً على مقتطفات وعلى عناوين وعلى من له صوت أعلى في الجلسة وله خطاب شعبوي، ونجح في "قطات" أُعجبت بها الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي.

في حين أنه قد يكون رد الحكومة به من التفاصيل والحجج القوية، إنما دائماً ما يأخذ السجال بين السلطتين منحنى تشعر بأنه حوار الطرشان، كلٌّ يريد أن يسجل هدفاً أو يُلقي بكلمة تلتقطها أذن الصحافة فتبرز "ترند"، ومصلحة المواطن والبلد تصبح غير مهمة.

لنأخذ الجدل الذي نُشر في الصحافة مما دار حول المشروع بقانون لضريبة التحويلات المالية للأجانب كمثال.

الحكومة أبدت اعتراضها ورفضها المشروع والنواب أصرّوا عليه وتمت الموافقة، إنما من خلال تغطية الصحف وصلني الاستنتاج التالي؛ بأن الحكومة رفضت القانون لأنها تحب الأجانب وتراعيهم أكثر من المواطن وتنصاع لتوصيات المنظمات الدولية دون تفكير!!

عن نفسي، من المتحمسين لهذا القانون لكنني فرملتُ قناعاتي تلك حين استمعت لمداخلة الوزير حول تجربة إحدى الدول الخليجية، تلك المداخلة لم تنشرها الصحافة لكن من كان يتابع الجلسة "أون لاين" سمعها وشاهدها، لِمَ لَمْ تنقل؟ أعتقد أن ذلك راجع لتقدير ووعي وإدراك الصحفي الذي تابع الجلسة. عن نفسي، وجدتها من أكثر الحجج التي جعلتني أفكر في الموضوع مرة أخرى، وبالمقابل لم أسمع أياً من النواب ردّ عليها أو فنّدها.

استشهد بوفضل لتجربة دولة خليجية بها عدد كبير من الأجانب وتحويلاتها تصل إلى المليارات من الدولارات سنوياً وكانت متحمسة مثلنا لإقرار مثل هذا القانون، إنما ما حدث أنها استشعرت خطورة هذه الفكرة قبل التنفيذ وتراجعت عنها، والسبب أن أثرها لا يقف عند العمالة الأجنبية فقط، بل يمتد للبنوك الدولية ويمتد للمشاريع الاستثمارية، وحين رأت تلك الدولة الخليجية الآثار التي حدثت لمجرد طرح الفكرة اضطرت إلى أن تتراجع عنها وتنفي عن نيتها، وفضلت خسارة الضريبة على أن تخسر مقابلها مليارات أكثر منها نتيجة هروب رؤوس الأموال والشركات الدولية.

تلك المداخلة لم ترد في الصحف، في حين ركزت الصحافة على ردود وحجج النواب التي ارتكزت على فائدة رفد الميزانية بـ24 مليون دينار، وهو هدف نبيل ومشروع ويغطّي جزءاً من هدر الأموال واستنزاف الموارد، لكنهم لم يردّوا على الحجج القوية التي ذكرتها الحكومة حول الأسباب التي حالت دون إقرار مثل هذا المشروع في الدول المجاورة، ولم يردّوا على نقص صياغة المقترح بحيث لم توضع فيه المخالفات والعقوبات.

الخلاصة، نحتاج منابر أخرى وعدم الاكتفاء بالصحف لإكمال الناقص من الصورة، نحتاج أن نواكب الأدوات الحديثة في شرح أنفسنا وتبيان وتوضيح وجهات النظر، فتلك العناوين التي تستخدمها الصحف تخاطب ما تطلبه وسائل التواصل الاجتماعي، في حين أنها واجهتنا للعالم كله وليس لمتابع تلك الوسائل فقط، هنا تكمن الخطورة، فصحافتنا ناقلة لصورة سياستنا المالية والاقتصادية وتوجهاتنا المستقبلية.