الرأي

الازدحامات المرورية.. إرهاق نفسي وذهني



مازال التّحدي اليومي الأَبرَز الذي بقِي يواجه أفراد المجتمع بالبحرين، سواء القوى العاملة من موظفين ومسؤولين ومدرسين، والقوى النّاشئة من تلاميذ وطلبة، للمجتمع بالبحرين، في مطلع العودة من العطل الإدارية وانقضاء الإجازات الصيفية وبداية السّنة الدراسية خاصة، وعلى مدار العام للدّوام بصفة عامة، هو اكتظاظ حركة المرور بمختلف المناطق لاسيما الحيوية منها، تربط بين تمركز مواقع العمل، وتمركز مواقع المدارس والجامعات، وكذلك مواقع المصالح الإدارية، وذلك على وجه التّحديد في أوقات الذروة.

لقد أصبح هذا التحدي يشكّل معاناة يومية تكون وطأتها أشد في صباح كل يوم حين التوجه إلى جهة العمل أو الالتحاق بصفوف المدرسة أو الجامعة، حيث يشكّل عامل الوقت عنصر ضغط، من حيث ضرورة الحضور في حدود بداية توقيت العمل أو الدراسة. وهذا الأمر لا يلقي بظلاله سلباً فقط على الجانب النفسي للأفراد، وإنّما يلقي بأوزاره على عدة جوانب أخرى، تتخطى مستوى الأفراد لتشمل مستويات أخرى تتعلق بمردود العمل ومخرجات التعليم، وجودة أسلوب الحياة، والمردود الاقتصادي، وكذلك سلامة المجتمع.

فقضاء وقت طويل ذهاباً وإياباً لمكان العمل أو الدراسة، أو المصالح الحياتية، ليس فقط يرهق الحالة النّفسية والذّهنية، وإنّما يستنزف الكثير من طاقة الفرد للأداء اليومي، إلى جانب هدر مساحة من وقته قد تصل نسبتها يومياً إلى ما يقارب أو يزيد أحياناً عن رُبعِ ساعة يوم عمله، وبالتالي يؤثر ذلك حتماً على نسبة عطائه وجودة إنجازه. تداعيات جميعها تشكل عوامل مؤثّرة بطبيعة الحال على سير دواليب الاقتصاد، وتشكل عوائق في دفع عجلة نموّه، مهما كانت أسس البنية التحتية التي أنشئت بهدف تحقيق ازدهاره، لكون مقوّمات العنصر البشري تبقى الحَد الفاصل في تحقيق ذلك.

إنّ مملكة البحرين تتمتع ببنية تحتية في قطاع المواصلات عالية المقاييس، تتميز بنظام طرقات متطور، تتكون خطوطه الرئيسية من الطرقات السريعة التي تشتمل في المعدّل على ثلاثة إلى أربعة مسارات، وتشبك نقاط تفرعاتها الطرق تحويل المسارات الفوقية، وفي بعض الحالات الطرق النّفَقِية، كما تتميّز بالخدمات اللوجستية في تنظيم وسير حركة المرور مُمَثّلة في الجهود الحثيثة والمُشاد بها فعلاً لإدارة المرور. وتتميّز أيضاً بوفرة مكونات جميع فئات أسطول النّقل العام التي تغطي احتياجات ربط ووصل جميع مناطق المملكة، والمجهزة بأحدث التّقَنيات، من أجهزة التّكييف ومزوَّدة بخدمة الوايفاي.

بذلك فإنّ الإشكال في الحقيقة ينحصر في الظاهرة السلوكية للبعض، والمتمثّلة في تبنّي أسلوب في التّنقل يعتمد على وسيلة النّقل الخاصة، وهذا ليس فقط على مستوى العائلة الواحدة، بل في معظم الحالات على مستوى أفراد العائلة، بحيث يقدر بنسبة متوسط مركبتين إلى ثلاث مركبات بالعائلة الواحدة، وبالتّالي وباعتبار ارتفاع نسبة الكثافة السُّكّانية بمملكة البحرين.

فإنّ هذه الظاهرة السلوكية التي أصبحت أسلوب حياة، هي في الحقيقة تشكّل أبرز الأسباب المعوّقة لجودة الحياة اليومية وما ينجم عن ذلك من تأثيرات، لكونها مصدر العامل المباشر للازدحام على الطّرقات وما يُسبِّبه من تلوث وانبِعاث للغازات.