الرأي

الأنشطة المصاحبة للمدرسة.. مراكز التحفيظ مثالاً

محمد ناصر لوري حبر جاف

بدأت عجلة التعليم بالدوران مجدداً بعد أن توقفت لإجازة الصيف، وها نحن اليوم في بداية عام دراسي جديد وطموح جديد، ورحلة طويلة سيقضيها الطلبة على مقاعد الدراسة بغية تحقيق أحلامهم ورسم مستقبلهم عاماً بعد عام.

نعم ستكون هذه السنوات الدراسية التي يقضيها الطالب في المدرسة هي المحطة الرئيسية التي ستبدأ برسم ملامح شخصية هذا الطالب، بدءاً من مرحلة طفولته ومراهقته، ونضجه المبدئي على نهاية مرحلته الثانوية، حتى ينتقل بعدها للمحطة الرئيسية التي سينطلق منها للحياة العملية والواقعية وهي الحياة الجامعية.

بعيداً عن التعليم الأساسي وأهميته خلال المحطات التعليمية التي يمر بها الطالب، إلا أن هذه المحطات لن تكون كافية لصقل شخصيته وتنمية مهاراته الشخصية، ولن تساعده في العثور على شغفه ونقاط قوته، فالتعليم الأكاديمي المباشر سيؤدي دوراً محدوداً في حياة الطالب التعليمية، إلا أنه لن يشمل الكثير من الزوايا المهمة في مسيرة تشكيل شخصية هذا الطفل، ومن هنا تكمن أهمية الأنشطة المصاحبة والأندية والمراكز بمختلف أنواعها.

لقد تربى الكثير من أبناء جيلي ومن يكبرونني بين حلقات تحفيظ القرآن في مختلف مناطق البحرين، وكانت هذه الحلقات إما تكون تابعة للمسجد أو أحد المراكز الإسلامية التابعة للوزارة، ولكنها كانت جميعاً تؤدي ذات الدور وهو تحفيظ القرآن الكريم، وكانت هذه المراكز وحلقات التحفيظ هي الأمر الطبيعي، وخاصة في إجازة الصيف، فتجد معظم من كانوا معك في المدرسة موجودين معك هنا في المركز.

أما بقية الأصدقاء الذين لا يحضرون لحلقات التحفيظ بشكل منتظم فأيضاً كانوا مشاركين في أنشطة أخرى، فبعضهم يلعب الكرة في النادي، وآخرون في ألعاب القوى أو يمارسون ألعاباً كالتايكواندو، والكاراتيه، وبعض من «الشطار» يذهبون لمركز العلوم، وجزء من الجيل كان يرافق والده في عمله، فتراه يعمل في الزراعة، أو صيد السمك، أو يساعد والده في الدكان.

لقد كان لهذه الأنشطة التي تمتد لفترة ما بعد المدرسة الدور الكبير في صقل شخصيات هذه الأجيال، وهذا من أسباب النضج المبكر الذي كان يتمتع به من سبقهم كذلك، فمسؤوليات الحياة والعمل وتحمل مسؤولية قرارتك في سن مبكرة تسهم بشكل فعال في رسم الصورة التي أنت عليها اليوم، فما هي إلا نتاج قراراتك في الحياة.

ولكن لنركز على أهمية مراكز التحفيظ وأثرها على تلك الأجيال التي التحقت بها بشكلها القديم «الكتاتيب» أو بشكلها الحديث المتمثل في المراكز، فلقد أسهمت تلك المراكز في إيجاد جيل يجيد التلاوة الصحيحة للقرآن الكريم، ولديه المعلومات اللازمة من أحكام التجويد ليقرأ بطريقة صحيحة، كما أدت هذه التلاوة إلى تقويم اللغة العربية لديهم، وأعطتهم من الفصاحة والبلاغة بشكل مباشر وغير مباشر الشيء الكثير، فلا تراهم يتلعثمون عند القراءة، ولديهم قدرة لغوية جيدة نسبياً تتيح لهم الكتابة بشكل صحيح، كل ذلك بسبب تلاوتهم للقرآن ودراستهم له، فلقد انعكس بشكل جلي على مخارج حروفهم، وطلاقة ألسنتهم.

الحديث في أهمية القرآن وعلومه وتدريسه للأطفال يطول، ولكن لا تدعوا أبناءكم في المنزل فقط، بل حثوهم على الاستفادة من وقتهم من خلال الورش والكورسات التي أصبحت منتشرة في كل مكان، فضياع أوقاتهم على اللعب والشاشات والعالم الافتراضي سيقتل إبداعهم وسيجعلهم ضعفاء في ذكائهم الاجتماعي، وسيفتقرون مستقبلاً لأبجديات التعامل مع مختلف الظروف كما سيفتقرون للمهارات التي ستميزهم عن نظرائهم.