الرأي

الحساب الختامي والبرنامج الحكومي

سَعيدون جداً بجدّية السادة النواب في مناقشة السلطة التنفيذية حول برنامج الحكومة، وسعيدون أكثر بتداولهم الموضوع فيما بينهم والتنسيق في ورش عمل واجتماعات. ولا ندري إن كانوا قد اجتمعوا مع أعضاء الشورى أم لا، إنما سيكون من المفيد تبادل الآراء والمزيد من الاستيضاحات وتشكيل المواقف بين غرفتي السلطة التشريعية للحصول على تنسيق وتفاهمات وتحالفات أيضاً.

نود أن نلفت انتباه السادة النواب إلى الضلع الثالث والذي سيخدمهم أكثر في فهم واستيعاب العلاقة بين برنامج الحكومة والميزانية، والموجود حالياً بين أيديهم، وهو «الحساب الختامي» لعام 2021 بانتظار إقراره.

الحساب الختامي للسنة الماضية مع برنامج الحكومة السابق لا بد من أن يكونا حاضرين في ذهنية السادة النواب وهم يتباحثون مع السلطة التنفيذية حول برنامجها الجديد والميزانية، فالحساب الختامي عبارة عن جرد نهائي للبرنامج السابق، والميزانية السابقة عبارة عن الحقائق والأرقام والفارق الواقعي بين البرنامج الذي طرح قبل أربع سنوات وبين الميزانيتين اللتين رصدتا للبرنامج على مدى السنوات الأربع الماضية.

من خلال الحساب الختامي ستعرفون ماذا وعدت الحكومة المجلس السابق، وعلى ماذا اعتمدت، وكم نسبة نجاحها وجديتها، ستعرفون كم نما اقتصادنا، وكم ساهم هذا الاقتصاد في زيادة مواردنا في ميزانيتنا، ستعرفون إن كان النمو الاقتصادي يساهم في رفع وزيادة ميزانيتنا أم إنه لا يضيف لها شيئاً.

فستجدون أن البحرين حققت إيرادات بلغت في حسابها الختامي الأخير 6.9 مليار دولار أمريكي، «قولوا 7 مليار»، منها 4.72 مليار دولار من بيع النفط والغاز، والبقية من الإيرادات غير النفطية التي بلغت 2.2 مليار دولار، الجدير بالذكر أن ثلثي الإيرادات غير النفطية أتت من ضرائب ورسوم يدفعها المواطنون، وبلغت 1.7 مليار دولار أمريكي، أي إن ما حققناه بجهدنا ونشاطنا الاقتصادي دون بيع النفط ودون تحصيل الضرائب ودخل كمورد لميزانيتنا لا يزيد عن 488 مليون دولار أمريكي فقط.

ترجمة هذه الأرقام بعضها جيد بالنسبة إلى نشاط الحكومة التي ساهمت في رفع نسبة الإيرادات غير النفطية إلى 32% في ميزانية الدولة بالرغم أن معظم هذه الزيادة جاءت من ضريبة القيمة المضافة أي من جيب المواطن، إلا أنها ساهمت في زيادة إيرادات الدولة، وتدل في نفس الوقت على أن هناك حركة تداول في السوق، حركة بيع وشراء تدل على وجود سيولة في البلد.

من الجيد أن يقل اعتمادنا على مورد النفط والغاز، من بعد أن كان يقارب 80% وأصبح الآن 68%، إنما لا يمكننا أن نفكر بمزيد من الضرائب على الأفراد إن أردنا أن نزيد من الإيرادات غير النفطية؛ أي رفع قيمة ضريبة القيمة المضافة إلى 15% كما يتردد، علينا أن نفكر بأصوات عالية بعضنا مع بعض للبحث عن بدائل إذا أردنا أن تستمر الدولة في تقديم الخدمات الرعائية للمواطنين كالتعليم والصحة والسكن والبنية التحتية.. وإن أردنا أن تكون تلك الخدمات ذات جودة عالية.

الكثيرون أشاروا إلى فرض ضريبة على أرباح الشركات، وعلى التحويلات المالية للأجانب حتى نقلل الاعتماد على الموارد الطبيعية، وهناك تحفظ على هاجس الحكومة بأن تلك الإجراءات قد تؤثر في جذب الاستثمارات، وهذا مردود عليه بأن جميع الدول المجاورة تفرض ضرائب، ومع ذلك لم يقِلَّ الاستثمار فيها، والجدير بالذكر أن الشركات الأجنبية تدفع رسوماً على أرباحها في دولها بينما نحن ـ الدولة التي جذبناها وحصلت على أرباحها من أسواقنا ـ لا نجني من ورائها سوى توظيف بعض البحرينيين.

الأمر الآخر إن كانت تحويلات الأجانب في البحرين تتجاوز الملياريْ دولار سنوياً؛ أي ما يزيد على دخلنا من مواردنا غير النفطية التي بلغت 1.7 مليار فقط، وهناك أرباح للشركات العاملة الأجنبية في البحرين فإنَّ في البلد حركةَ تداول كبيرة ونشاطاً اقتصادياً نامياً بشكل جيد، لكن غالبية عوائد هذا الاقتصاد تخرج خارج البلد، ولا تستفيد منها البحرين لا في أسواقها ولا في ضخها في الميزانية.

برنامج الحكومة لا بد من أن يتضمن تفاصيلَ حول زيادة موارد الميزانية بالإضافة إلى زيادة النمو الاقتصادي، لذلك لا بد للسادة النواب من أن يضعوا جداول الحساب الختامي الذي بين أيديهم إلى جانب البرنامج حتى تكتمل الصورة.

ملاحظة أخيرة على الحساب الختامي، 40% من المشروعات الحكومية لم تنجز رغم اعتماد موازنتها.

جميع تلك المعطيات تساهم في فهم البرنامج الحكومي ومن بعده الميزانية لهذا الفصل، ومسؤولية السلطة التشريعية الآن تتلخص في مساعدة التنفيذية على زيادة الموارد التي ستنعكس على المستوى المعيشي للمواطن.