الرأي

سلاح الشتاء الروسي

لا أحد يشبه الروس في إدراكهم لقيمة الشتاء. فالجمال الذي تكتسي به المدن الروسية مع سقوط الثلوج، والقدرة الفائقة على التأقلم والتكيف مع الحياة في ظل درجات حرارة متدنية بصورة خيالية، هو إبداع روسي بامتياز. ولكن، يمكننا أن نضيف أيضاً، بأن البرد كان دائماً الحليف الوفي للروس في أعتى المعارك التاريخية التي خاضوها. وهذا أيضاً تكتيك حربي روسي بامتياز.

فيما سمي بـ«الحرب البولندية» التي خاضها نابليون بونابرت الثاني عام 1812. حشد نابليون ما يقارب من سبعمائة ألف جندي لغزو روسيا. وتوغل الجيش الفرنسي بعيداً في المدن الروسية حتى وصل إلى موسكو نفسها. وكان التخطيط الحربي الروسي يقوم على استدراج الجنود الفرنسيين إلى الحدود الشرقية لروسيا ومحاصرتهم داخل المدن بعد حرق المحاصيل الزراعية. والهدف من كل ذلك هو تجويع الجيش الفرنسي وتوسيع مسافات الإمدادات الغذائية عنه من خارج روسيا. وبالفعل تمكن الروس من استدراج الفرنسيين إلى أبعد المدن الروسية عن خطوط الإمداد، حيث حل شتاء روسيا القارس في ظل نقص شديد في المؤن والغذاء وافتقاد الجيش الفرنسي للملابس الشتوية.

كانت هزيمة نابليون في حربه ضد روسيا قاسية توفي فيها ما يقارب من نصف الجيش في معركة استغرقت ستة أشهر فقط. ويجدر الختام بقصة البدء حيث كان سبب شن نابليون حرباً ضد روسيا هو إرغام روسيا على وقف التجارة مع بريطانيا كي تقبل الأخيرة بالشروط الفرنسية. ولتحرير بولندا من روسيا. بمعنى آخر كان هدف الحرب فرض الهيمنة على القرار الروسي.

في الحرب العالمية الثانية 1942، وفي سياق معارك ما عرف بالحرب الوطنية السوفيتيه غزا هتلر هو الآخر الاتحاد السوفيتي حينها. وتوغل الجيش الألماني في مدنية ستالينغراد وغرق في حرب شوارع لا طاقة له بها. حاصر الروس المدينة وتسبب شتاء روسيا القارس وقلة التموين للجيش الألماني وإنهاكه إلى خسارة فادحة للألمان كانت المتسبب الرئيس في هزيمتهم في الحرب كاملة. رفض هتلر فكرة انسحاب جيشه من ستلينغراد وانتهت المعركة بموت مليون جندي.

اليوم تستعد روسيا لحرب جديدة سلاحها الأقوى فيها هو الشتاء. الفخ الذي أوقعت أوروبا نفسها فيه حين حاصرت روسيا ومنعت تصديرها للغاز ارتد إلى خاصرتها بصمود روسيا واستمرار الحرب وتعطل إمدادات الطاقة إلى الدول الأوروبية التي شهدت أولاً موجة ارتفاع أسعار للطاقة. ثم ستشهد عجز ما هو متوفر عن تلبية احتياجات شعوبها للتدفئة في برد أوروبا القارس.