الرأي

ازدواجية معايير الحقوق والحريات

أثبت الواقع الدولي في كثير من الأحيان أن الاعتبارات السياسية ومصالح الدول الكبرى تطغى على المفاهيم الحقوقية والقانونية السامية التي ينادي بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق والاتفاقيات الدولية والتي تُعبر عن الرقي البشري والاهتمام بالإنسان دون النظر لجنسه أو لونه أو دينه أو عرقه، فأصبحت الحقوق والحريات أداة للضغط على الدول والإطاحة بالحكومات وفرض الأجندات التي قد لا تتناسب مع طبيعة وثقافة المجتمعات.

ولقد تفاجأ الكثيرون من ردة فعل الدول التي تنادي بحماية حقوق الإنسان وكفالة حرية الإعلام والتعبير عن الرأي، وتعاملها مع الحرب الروسية الأوكرانية التي على الرغم من مساوئها وصراعاتها إلا أنها أثبتت ازدواجية المعايير، لنكتشف بأنها مجرد مواقف سياسية بعيدة عن القيم، ولنتساءل حول ما إذا كان الإنسان يختلف في قيمته من شخص لآخر بحسب لون بشرته وعينيه، ودينه، ومكان وفاته؟ ليتم تبرير سلوكيات لبعض الدول واستنكار ذات الأفعال إذا ما اٌرتكبت من دول أخرى. يطالبون بإبعاد السياسة عن الرياضة، ومنع استغلال المناسبات الرياضية لتمرير الرسائل السياسية، مهددين بمعاقبة كل من يخالف ذلك، إلا أن الجميع لاحظ إقحام السياسة بحظر مشاركة الرياضيين والمنتخبات الروسية في كثير من المنافسات الدولية والأوروبية أبرزها التصفيات المؤهلة لكأس العالم، ورفع شعارات سياسية لدعم طرف على حساب آخر. وعند الحديث عن مبدأ المساواة ودعم حرية الإعلام والصحافة والرأي الآخر، لوحظت كذلك الحوادث العنصرية والتفريق بين اللاجئين بحسب لون بشرتهم، وما أدلى به المسؤولون والمراسلون من تصريحات عنصرية تصف اللاجئين بأنهم من بلاد متحضرة عكس غيرها، وأنهم ليسوا من اللاجئين الذين اعتادت عليهم أوروبا، فضلاً عن تقييد حرية الإعلام والصحافة وحظر قنوات وإغلاق مكاتبها ومواقعها الإلكترونية بهدف التحكم بالرواية.

وجاء كأس العالم 2022 ليؤكد هذه الازدواجية ومحاولة فرض الأجندات دون مراعاة لثقافات المجتمع من خلال رغبة عدد من المنتخبات رفع شعار الشذوذ الجنسي، بل وتوجيه الانتقادات بشدة لقرار حظر هذا الشعار لدرجة قيام لاعبي أحد المنتخبات بوضع أيديهم على أفواههم أثناء التقاط الصورة تعبيراً عن رفضهم لقرار منعهم من ارتداء هذا الشعار، متناسين هجومهم واستبعاد أحد اللاعبين السابقين بسبب تصريحاته السياسية الداعمة لأقلية الروهينغا.

ندين الظلم والاعتداء والعنف بكافة أشكاله، إلا أن الوقت قد حان لوقف سياسة الكيل بمكيالين، ومنطق «ما أريكم إلا ما أرى»، والحفاظ على سمو الحقوق والحريات وإبعاد السياسة عنها، والتأكيد على احترام ظروف كل دولة، وثقافة المجتمعات والقيم السائدة فيها، وتوحيد معايير حقوق الإنسان بالحد الأدنى المشترك بين الأمم.