الرأي

البصمة أخت الدمغة

سوسن الشاعر كلمة أخيرة



تذكرت كلمة لرجل الأعمال الإماراتي «العبار» حول دور التحول الرقمي في تغيير بيئة العمل حيث استشهد بقصة ابنته «شمسة» التي أصبحت لديها مليون درهم في البنك وهي تعمل من البيت، فلم تحتج إلى مكتب ولا إلى موظفين كل عملها من خلال حاسوبها الآلي وهي لابسة بيجامتها أو هي على «التريدميل» تمارس رياضة المشي في البيت.

تذكرت هذه المحاضرة وأنا أستمع لشكوى عدد من الموظفين البحرينيين من إصرار ديوان الخدمة المدنية على موضوع «البصمة» للموظفين يبصم وهو داخل ويبصم وهو خارج، وبدلاً من أن نجاري هذه التطورات ونواكب مستجدات العصر التي وللمفارقة نملك كل مقوماتها، عدنا إلى ما كان يسمى بالأفلام المصرية القديمة «بالدمغة» ذلك النظام المصري القديم الذي كانت تصر الحكومة فيه على وجود «الدمغة» على الأوراق للتأكيد على إتمام الإجراء، وأطلع الطابق الثاني وأنزل للأول وأختم هنا وأضع الطابع البريدي هناك، نظام من عهد الدولة العثمانية أكل عليه الدهر وشرب هذا هو نظام البصمة عندنا.

المتغيرات في سوق العمل متسارعة والدول بدأت توظف الروبوتات توظيفاً للذكاء الصناعي وبعد هذا تتساءل إحدى الموظفات البحرينيات «وهي ليست من الموظفات الكسولات على فكرة بل نشطة ومتقدمة في عملها وتنجز أكثر مما هو مطلوب منها» تتساءل هل يعقل أن زميلتي التي تقضي معظم الوقت في المكالمات الهاتفية ولا تعرف أبسط المهارات التي تضطر لسؤالي عن كيفية إنجازها، وبقية اليوم تقضيه متنقلة بين المكاتب، هل يعقل أن تستلم راتبها كاملاً وأنا يستقطع من راتبي لأني أتأخر يومياً ساعة صباحاً أو أخرج قبل الموعد، رغم أني أنجزت كل ما هو مطلوب مني ودربت زميلتي التي استلمت كامل راتبها، بل وأعددت ما هو مطلوب لبقية الشهر للعديد من الزملاء وسهلت عمل المكتب كله فساعدتهم بعمل نماذج جاهزة دون حاجة للاستفسار كل مرة، ولو احتاجوا لأي شيء ممكن أن أؤديه وأنا خارج المكتب يكفي أن يرسلوا لي رسالة نصية فيتم ما يريدون فوراً.

ما ذنبي إذا كنت سريعة في عملي وأستطيع أن أنجز أكثر مما هو مطلوب مني ولم أقصر لا كماً ولا نوعاً في المهام التي أنجزها، والأدهى أنني أستطيع أن أؤدي جميع المهام المطلوبة مني وأنا خارج المكتب، بل وأضمن لهم إنتاجية أفضل كماً ونوعاً، هل يعقل أنني يقيم أدائي على توقيت دخولي المكتب وتوقيت خروجي منه؟ نحن في أي زمن؟ عن أي تحول رقمي نتحدث؟

ألا ترون أن معها حقاً؟

ألا تذكرون حين قلنا أول أيام الجائحة -الله لا يعودها- أننا اكتشفنا أن العديد من الوظائف يمكن إنجازها من المنزل؟ أتذكرون تعداد الفوائد التي جنيناها من نظام العمل من المنزل خاصة في الوظائف المكتبية؟ وكم سيوفر هذا النظام على الدولة من وقت وطاقة وزحمة شوارع ومساحة منشآت؟ ماذا حدث؟ عدنا ولا كأننا استفدنا شيئاً.

ثم نعود لمسألة معايير التقييم، مصيبة حقاً أن يكون المعيار عدد الساعات التي أقضيها داخل الجدران الأربعة لا من خلال عدد المهام التي أنا أنجزها المصيبة الأكبر حين تكون احتياجات المكتب كله موجودة على هذا الجهاز المتنقل ويمكن إنجازها كلها من أي مكان وتصر الهيئات الحكومية على بصمة الحضور وبصمة الخروج.. أين الحكمة؟