الرأي

بين الحاضِنات والمُسرّعات

المتابع للسوق المحلية بمملكة البحرين يجد أنها تعـجّ بحاضنات الأعمال بل تغصّ بها في تزايد رغم تدنّي الإقبال الحقيقي عليها، فما تقدمه جُـلّ حاضنات الأعمال إن لم يكن كلّها لا يتعدى توفير مساحة مكتبية دون أية تسهيلات أخرى لرائد الأعمال «المستأجر» الذي يقوم بتعليق نسخة من سجله التجاري بمكان بارز ثم يستخدم تلك المساحة المكتبية لأداء أعماله ومواجهة تحديات السوق.

تلك الحاضنات لا تقدّم خدمات تضيف قيمة فارقة لرائد الأعمال المستأجر أو لمؤسسته دعماً لخدماته أو منتجاته. فرواد الأعمال لا يحتاجون فقط لموقع يؤويهم، ولا يحتاجون فقط لعنوان يدل عليهم، ولا يحتاجون فقط لبيئة عمل مناسبة لهم ولموظفيهم ولعملائهم، إنهم يحتاجون لمن يدلّهم على أفكار الخدمات الابتكارية القابلة للحياة أو المنتجات الابتكارية المجدية والمطلوبة في سوق تعـجّ بالتقليد لمشروعات نمطية تنافس بعضها لتتآكل نِسَب مساهماتها في السوق ثم تتعثر بعضها أو جُلّها ثم تنسف بعضها الأخرى لتفلس وتخرج من السوق.

لذا، نحن لسنا بحاجة لمشروعات نمطية ولا منتجات نمطية ولا خدمات نمطية بل لسنا بحاجة لرواد أعمال نمطيّـين، إنما نحن بحاجة مُلحّة لرواد أعمال مُبتكِرين، ولكي نُحقق ذلك يتوجّب علينا تأسيس ونشر ثقافة الابتكار وتطوير مسرّعات ابتكار وتسريع المشروعات الابتكارية منعاً لتعثرها، وعلينا تطوير منظومة ابتكار متكاملة تبيّن أدوار الشركاء الرئيسين كأقطاب للابتكار بالمملكة لإبراز الفجوات وحلقات الضعف ثم رسم خارطة طريق للابتكار ووضع المعايير اللازمة لتحقيقها، كما يتوجّب علينا تطوير منهجيات تضع رواد الأعمال المبتكِرين على المسار الصحيح للأعمال منذ اليوم الأول لتأسيس شركاتهم حتى بلوغهم مراحل النمو والتوسّع.

رواد الأعمال المبتكِرين «Entrepreneurs» والموظفين المبتكِرين أيضاً «Intrapreneurs» يحتاجون لمرشدين يوجّهونهم بخبراتهم التراكمية ومعارفهم الواسعة وممارساتهم العملية، ويحتاجون لمختبرات «Fab Labs» لنمذجة ابتكاراتهم، ويحتاجون لبرامج مستمرة من المهارات الناعمة غير التقنية «soft skills» المكمّلة لمهاراتهم التقنية الصعبة «hard skills» المكتسبة من المؤسسات التعليمية العليا كالجامعات والمعاهد. فالمهارات الناعمة أصبحت مطلوبة بشكل لافت في السوق ولم تعد المهارات التقنية كافية، فعلى سبيل المثال لا الحصر يحتاج الرائد المبتكِر لمهارة الحكم لاختيار أنسب الحلول، ومهارة التفاوض مع النظراء والعملاء والمستثمرين، ومهارة إقناع المستثمرين المهتمين بمشروعه الابتكاري للدخول كشركاء، ومهارة حل المشكلات المعقدة، ومهارة التفكير المتقدّم، ومهارة المرونة في العمل، ومهارة التكيُّـف مع الفوضى والأزمات، ومهارة التواصل المؤثر الفاعل، ومهارة الذكاء العاطفي وما شاكل.

خلاصة القول، حاضنات الأعمال لا توفر تلك البيئة ولا تلك الثقافة ولا تلك المهارات، أما مُسرّعات الابتكار فإنها توفرها وتيسّر البدء في المشرعات الابتكارية في مُدد محددة بدءاً من مرحلة اللافكرة، ومن ثم الفكرة مروراً بآليات التفكير التصميمي «Design Thinking» وإنتاج نماذج سريعة للمنتج «أو الخدمة» واختباره وتطويره، ووصولاً لمراحل الإنتاج النهائي والتسويق.