الرأي

د. عبدالرحمن الغريب.. المُعارض الفطري

في مقابلة مع الدكتور عبدالرحمن الغريب نشرتها جريدة «الوطن»، اكتشفنا أنه من المعارضين القدماء للنظام، من المنتمين للأفكار الشيوعية في الستينات والسبعينات، من الطلبة المطاردين من قبل الأنظمة العربية بسبب حراكهم السياسي، من الذين دفعوا ثمن تلك المواقف تأخراً في دراستهم و«شحططه» من بلد إلى بلد كي يُكملوا دراستهم، لكنه أيضاً كعدد من المعارضين القدماء -أعرف كثيراً منهم- إنسان على الفطرة الطبيعية في مواقفه السياسية، لم يتنازل ولم يتخلَّ عن مَلَكة إنسانية نظيفة خلقها الله سبحانه وتعالى للإنسان وقال له «تدبّر» بها وفكّر بها أي استخدمها ولا تؤجرها لأحد، مَلَكَة مُلزمة أن تستخدمها هي عقله الذاتي والتفكير المنفرد الذي لا يجد غضاضة في التراجع إن وجد أن ذلك يختلف مع قناعاتها الذاتية لأنه وحده سيكون مسؤولاً عن قناعاته وبالتالي عن قراراته.

اكتشفنا أنه من المعارضين غير المتمسّكين بفكر القطيع المُلزم بالتخلّي عن عقله وباتباع أوامر قائد القطيع بغضّ النظر عن قناعاته، لذلك عبّر عن تراجعه عن أفكاره بكل أريحية وبدون تردّد وبلا شعور بالذنب وبأنه قام بعمل يخجل منه وعليه عدم التعبير عنه وعدم الحديث به والاحتفاظ به لنفسه كالعديد العديد الذين لا يتمكنون من الحديث عن تراجعاتهم إلا بتحفّظ شديد، ولا ألومهم فتلك تتطلّب جُرأة كبيرة لا يمتلكها الجميع وأهنئ الدكتور عبدالرحمن عليها.

فقد اكتشفنا أن د.عبدالرحمن الغريب ينتمي لمجموعة صغيرة مع الأسف من جيل طلبة الستينات والسبعينات التي امتلكت جُرأة التراجع عن مواقفها السياسية وجُرأة الإفصاح عن ذلك التراجع والإقرار بأخطائها علناً ودون غضاضة، وهذا ما نفتقده في الكثير من تلك المجموعات التي اكتشفت أوهامها واكتشفت أنها لم تكن سوى بيادق على رقعة شطرنج من يحركها بعيداً جداً عن واقعها.

يقول د. عبدالرحمن الغريب «كنت شاهداً على سقوط جدار برلين وفي ذات الوقت سقوط الاتحاد السوفيتي، وانهيار المنظومة الفكرية التي قام عليها «حلم الاشتراكية»، حينها بدأت مراجعات رصينة وهادئة لقناعتنا السياسية والأيديولوجية، لقد أثرت فيني تلك الأحداث بصورة قوية وبدأنا في مراجعات فكرية واسعة، خاصة وأنني كنت شاهد عيان على سقوط نظام عالمي على يد الشعوب الرافضة للفكر ونمط الحياة الشيوعي والاشتراكي، حينها خلعت عباءة الشيوعية والاشتراكية مع الحفاظ على القيم الإنسانية والتي لا تتبدل. لاشك في أنني دفعت ثمن شغفي بالشيوعية، واكتشفنا «أنا والكثير من أبناء جيلنا ورفاق الدرب»، وبعيون مفتوحة، أن البلدان التي كنا نبحث فيها عن الخير والرخاء كانت بلداناً فاشلة، وهذا الخير والرخاء وجدناه في دولنا وبلداننا الخليجية التي كانت الأحق بالولاء والانتماء، وهذا ما أدركناه فيما بعد، كما أن الأسر والعائلات الملكية والدول الملكية هي التي أسست الحضارات ووفرت التنمية والرخاء والصحة والتعليم لشعوبها وتتمتع بالاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي، وبالتالي نحن نعتز بانتمائنا لدولنا الخليجية، وفي ذات الوقت، نحن لا نتنصل من تاريخنا لأننا استفدنا من تلك التجارب من خلال المراجعات الرصينة والهادئة». انتهى.

قليل جداً من التابعين والمقلدين والكوادر المنظمة من يقرر أن يشاهد بعينه ويفكر بعقله ثم يتخذ قراراته منفرداً خارج السرب، لأنه يعرف أن ثمن الخروج ليس سهلاً وأن «العزلة الاجتماعية» من أكبر المهددات التي يخشاها أفراد القطيع.

يقول الدكتور «خاصة أنني كنت شاهد عيان على سقوط نظام عالمي على يد الشعوب الرافضة للفكر والنمط الشيوعي والاشتراكي» واليوم يشاهد العديد من القطعان رفض الشعوب للعديد من النظريات والأيديولوجيات وثوراتها المضادة وسقوط أكثر من جدار أمام أعينها وفشل بل وخراب من تبعها وعمل تحت إمرتها وأطاعها، ومع ذلك يرفض رؤيتها، إنه يشاهدها بعينه ولكن خط السير بين العين والعقل مسدود مقطوع قام كل فرد من القطيع بقطعه بيده وبنفسه مع الأسف، لذلك يصعب عليه التفكير في ما يراه ويمنعه من الدخول لعقله.

د. عبدالرحمن الغريب الذي تعرّفنا عليه عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي وتعلّمنا منه الفارق بين الشخير والاختناق، اليوم تعلمنا منه كيف تكون مفكراً مستقلاً حراً يملك جُرأة التفكير ويضاف لها جسارة الإقرار بالخطأ علناً.