الرأي

حكمة القرار وتوقيته

لبنان دولة عريقة لها إرث ثقافي وحضاري أعطاها بعداً اقتصادياً مضافاً لموقعها الجغرافي في قلب الشرق الأوسط، لكن السياسات العامة التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة على مدار عقدين أدخلتها في مرحلة مؤسفة، وفقدت عملتها أكثر من 90% من قيمتها، حتى أعلن نائب رئيس الحكومة في برنامج تلفزيوني عن إفلاس الدولة اللبنانية.

وعلى الرغم من مسارعة نفي رئيس الوزراء نجيب ميقاتي وكذلك حاكم مصرف لبنان للخبر، إلا أن المودعين في البنوك لم ينتظروا ترجيح أي من الكفتين، وبدأت أخبار تتحدث عن سحب المودعين لأموالهم من البنوك وما قابله ذلك من محاولة الحكومة تمرير قانون لتقييد التحويلات والسحوبات المالية لوقف نزيف رؤوس الأموال للخارج والتي حدثت بالفعل حتى قدرت بحوالي 19 مليار دولار خرجت منذ بداية الأزمة.

وتحدث المسؤولون كذلك عن تحميل المودعين الخسائر الناجمة عن تعثر النظام المصرفي، وألمح بعضهم أن صغار المودعين سيتحملون الجزء الأكبر من ديون لبنان، وما زالت الدولة في وضع لا يمكن وصفه إلا بالكارثي.

وللأمانة المهنية فقد كان يجب أن أعود للبحرين وأستعرض الوضع المالي فيها، حيث تنعم مملكتنا -على صغر حجمها- باقتصاد مستقر وراسخ جعل البحرين مركزاً مالياً لا يستهان به على الصعيدين الإقليمي والدولي، وهذا الوضع لم يحدث من فراغ أو بسبب قرار واحد، وإنما هي سياسات اتخذت منذ عقود في البحرين جعلتها نموذجاً في تنويع مصادر الدخل وجذب الاستثمارات المالية الكبرى لأرضها.

ولا يمكن تجاهل دور مصرف البحرين المركزي في تعزيز هذا الاستقرار بأدوات رقابية توازن بين جذب المستثمر للبحرين وبين مكافحة جرائم غسل الأموال، وأيضا مع العمل المتسارع في تطوير الأنظمة المالية لتواكب العصر الرقمي.

ولله الحمد فإن المسؤولين عن الشأن الاقتصادي في البحرين يتابعون كل شاردة وواردة في الحدث المالي ويتخذون قرارات توازن بين الحكمة والسرعة، وهو ما يجعل البحرين بقيادتها بلد أمان مستدام، بعيداً عن أي ارتدادات أو هزات مالية كبيرة.

وأذكر في هذا الصدد الأزمة العالمية التي حدثت في عام 2008، وأثرها على الدول الكبرى وكذلك البحرين، لكن وبفضل السياسات الحكيمة للدولة تم تجاوز هذه الأزمة بأقل الخسائر وفي أسرع وقت ممكن، ولذلك تكمن الريادة في حكمة القرار وتوقيته.